وأفعالها بالكماليّة والاستعداد والقرب والبعد والمتوسّط ، كما ذكرنا أنّ القوّة الواحدة يمكن أن تكون تارة مبدأ لفعل بالفعل ، وتارة مبدأ له بالقوّة ، إلّا أنّك ستعلم ممّا نذكره في بيان أحوال هذه القوّة ، أنّ مراتبها مرتّبة في التقدّم والتأخّر الزمانيّين ، وبعضها متقدّم على بعض في الزمان ، وبعضها متأخّر عن بعض فيه ، وكذلك بعضها رئيس ومخدوم لبعض ، وبعضها مرءوس وخادم. وتعلم أيضا أنّ تلك المراتب التي حالها ما ذكر تكون مختلفة متغايرة البتّة ، لا يجوز أن يكون لجميعها قوّة واحدة بالذّات ، بل ينبغي أن يكون لكلّ مرتبة قوّة تخصّها ، لأنّهم لذلك أثبتوا لتلك المراتب قوى متعدّدة وإن لم تكن تلك القوى متباينة بالذات ، كالقوى الحيوانيّة مثلا. فإنّ القوى الحيوانية متباينة بالذّات لكونها مبادي أفعال مختلفة ، والقوى الإنسانية غير متباينة بالذّات لكونها متعلّقة بذات واحدة مجرّدة. وإنّما تختلف بحسب الاعتبارات التي هي بالقياس إلى تلك الذات عوارض ، وهذا هو القول في القوى المتعدّدة التي للنّفس النّاطقة الإنسانيّة.
وأمّا القول في قوى النّفس الحيوانيّة ، فهو أنّ لها بالقسمة الاولى فعلان : أحدهما التحريك ، والآخر الإحساس والإدراك. وحيث كان التحريك والإدراك فعلين متغايرين بالذات ، ومع ذلك فقد يفترقان بالموضوع أيضا ، كما في الرية من جملة الأعضاء ، حيث قالوا إنّها دائمة الحركة ، ولم يجعل لها حسّ وإدراك لئلا تتألّم باصطكاك بعضها ببعض ، فينبغي أن يكون لكلّ من التحريك والإدراك قوّة على حدة خاصّة ، تسمّى إحداهما قوّة محرّكة والأخرى قوّة حاسّة مدركة. ثمّ إنّ المحرّكة حيث كانت على قسمين : محرّكة ، بمعنى أنّها باعثة على الحركة هي النزوعيّة ، ومحرّكة ، بمعنى أنّها فاعلة للحركة ، وكان البعث والفعل أمرين متغايرين ، حيث إنّ الباعثة النزوعيّة هي التي إذا ارتسمت في التخيّل صورة مطلوبة أو مهروبة عنها ، بعثت القوّة المحرّكة الفاعلة على التحريك. وهي التي تنبعث في الأعصاب والعضلات ، ومن شأنها أن تشنّج العضلات ، فتجذب الأوتار والرّباطات المتّصلة بالأعضاء إلى نحو جهة المبدأ ، أو ترخيها أو تمدّهما طولا فتصير الأوتار والرباطات إلى خلاف جهة المبدأ ، فينبغي أن يكون لكلّ من الفعلين قوّة