على حدة تخصّه وكذلك الباعثة للحركة ، حيث كانت لها شعبتان : شعبة تسمّى شهوانيّة ، وهي ما تنبعث على تحريك يقرب به من الأشياء المطلوبة طلبا للّذّة ؛ وشعبة تسمّى غضبيّة ، وهي ما تنبعث على تحريك يدفع به الشيء المهروب عنه طلبا للغلبة ، وكان الغضب والشهوة فعلين متغايرين مختلفين ، ينبغي أن يكون لكلّ منهما قوّة تخصّه ، وعسى أن نشير فيما بعد إن شاء الله تعالى إلى بعض جهات المغايرة أيضا. وكذلك الإدراك وإن كان معنى واحدا ، إلّا أنّه لمّا كان ينقسم بانقسام المدركات وبتبعيّتها إلى أقسام كثيرة بعدد الحواسّ والمشاعر الظاهرة والباطنة ، وكانت تلك المدركات التي هي مدركات أوّليّة مختلفة بالذّات ، وكذا كانت إدراكاتها باعتبارها وبالعرض ، ومع ذلك كانت تلك الإدراكات متفارقة بالموضوع وبحسب الآلة ، وكانت لكلّ منها آلة غير ما هي للاخرى ، إن صحّت تلك الآلة صحّ ذلك الإدراك المنسوب إليها ، وإن فسدت فسد ، كما يعلم ذلك بالتجربة والاعتبار ، فعلى هذا ، كان ينبغي أن يكون لكلّ من تلك الإدراكات المختلفة قوّة تخصّها ، وعسى أن نشير فيما بعد إن شاء الله تعالى إلى بعض جهات المغايرة أيضا ، وهذا هو الكلام في قوى النّفس الحيوانيّة.
وأمّا الكلام في قوى النّفس النباتيّة ، فهو أنّهم وإن أثبتوا لها بالقسمة الاولى قوى ثلاثا : هي القوّة الغاذية والمنمية والمولّدة ، وأثبتوا لها بالقسمة الثانية قوى أخرى ، كالهاضمة والجاذبة والدافعة والماسكة ، إلّا أنّ لبعضهم في وحدة بعض هذه وتعدّده كلاما يعلم ذلك من النظر في كتب الحكماء والاطبّاء ، فلا نطيل الكلام بذكره. والضّابط فيها أيضا أنّ ما كان من تلك الأفعال مختلفة بالذّات ، أو في الموضوع ، أو من جهة الخادميّة والمخدوميّة أو نحو ذلك من الجهات التي بها تكون قواها مختلفة ـ كما سيظهر لك في بيان تعديد القوى النباتيّة ـ ، فيقتضي كلّ منها قوّة على حدة خاصّة ، وإلّا فلا وجه لإثبات القوّة الخاصّة لها ، بل يمكن أن يكون هناك قوّة واحدة تختلف اعتباراتها وحالاتها.