الباب الثّالث في تعديد قوى النّفس الإنسانيّة على ما هو المشهور بين الجمهور ، والإشارة إلى نبذ من الحكمة فيما لعلّه يحتاج إلى بيان الحكمة فيه.
اعلم أنّهم ذكروا أنّ للنّفس النّاطقة الإنسانيّة قوى تشارك بها الحيوانات العجم والنّبات ، وقوى أخرى تشارك بها الحيوانات العجم دون النّبات ، وقوى أخرى أخصّ من الأوليين تختصّ بالإنسان.
أمّا القوى الأولى التي بها تشارك الكلّ ، وهي التي تسمّى نباتيّة لا لاختصاص النّبات بها ، بل لانحصار قواه فيها ، ويسمّيها الأطباء قوى طبيعيّة ، وهي مبادي لأفعال مختلفة من غير إرادة ، وتلك الأفعال إنّما هي حركات لحفظ البدن وتوليده ، وتصرّفات في مادّة الغذاء.
وآلة تلك القوى إمّا من الكيفيّات الفعليّة فالحرارة الغريزيّة ، فإنّ الحارّ هو المستعدّ لتحريك الموادّ ، ويتبعها البرد لتسكينها عند الكمالات. وإمّا من الكيفيّات الانفعاليّة فالرّطوبة ، فإنّها هي التي تتخلّق وتتشكّل ، وتتبعها اليبوسة لحفظ الموادّ ، فأصولها ثلاثة : الغاذية ، والنّامية والمولّدة ، اثنتان منها ـ وهما الغاذية والنّامية ـ لأجل الشّخص ، وواحدة منها ـ وهى المولّدة ـ لأجل النّوع :
أمّا الغاذية ، ففعلها إحالة الغذاء إلى مشاكلة المغتذي وإضافته إليه بدلا عما يتحلّل ، ويتمّ فعلها بأفعال ثلاثة جزئيّة :