سبيل التولّد.
وأمّا فيما تعذّر ذلك لقربه منه ولضيق عرض مزاجه ، فعلى سبيل التّوالد.
وجعلت النّفس الأخيرة ذات قوّة تختزل من المادّة التي تحصّلها الغاذية ما تجعلها مادّة شخص آخر من نوعه.
ولمّا كانت المادّة المختزلة للتّوليد ـ لا محالة ـ أقلّ من المقدار الواجب لشخص كامل ، إذ هي مختزلة من شخص ، جعلت النّفس المدبّرة لها ذات قوّة تضيف من المادّة التي تحصلها الغاذية شيئا فشيئا إلى المادّة المختزلة ، فيزيد بها مقدارها في الأقطار على تناسب يليق بأشخاص ذلك النوع إلى أن يتمّ الشخص ، فإذن النّفوس النباتيّة التامّة إنّما تكون ذات ثلاث قوى تحفظ بها الشخص إذا كان كاملا ، وتكمله مع ذلك إذا كان ناقصا ، وتستبقى النوع بتوليد مثله ، وهي المسمّاة بالغاذية والمنمية والمولّدة للمثل.
فظهر من ذلك أنّ أفعال جميع هذه القوى إنّما تتمّ بتصرّفات في مادّة الغذاء ، وأنّ هاهنا قوى ثلاثا لأفعال ثلاثة ، وأنّ الاحتياج إلى الغاذية والمنمية لأجل الشّخص ، وإلى المولّدة لأجل النّوع. وأنّ غاية فعل الغاذية الإحالة إلى المشابهة سدّا لبدل ما يتحلّل. وأنّ غاية فعل المنمية ، الزّيادة في النشء على تناسب محفوظ مقصود في أجزاء المغتذي في الأقطار يتمّ بها الخلق. وإنّ غاية فعل المولّدة ، الاختزال من ذلك فضلة تعدّ مادّة ومبدءا لشخص آخر. وأنّ الغاذية متقدّمة على النّامية والمولّدة ، لتقدّم فعلها على فعليهما. وكذا هي خادمة للنّامية في تحصيل المادّة.
ثمّ إنّ النّامية والمولّدة ، وإن كانتا جميعا متأخرتين عن الغاذية لكون فعليهما ـ أي الإنماء والتوليد ـ محوجين إلى كثرة المادّة المتعذّر تحصيلها والتصرّف فيها إلّا بالغاذية ، إلّا أنّه لمّا كان الإنماء الذي هو فعل المنمية أهمّ ، لأنّه يتعلّق بإكمال الشّخص ، وإنّما احتيج إلى توليد المثل لكون الشّخص معرّضا للفناء ، فجعل الإنماء متقدّما على التوليد نوعا من التقدّم ، فجعلت المنمية متقدّمة على المولّدة ، وجعلت المولّدة في ثالث المراتب ، وجعلت المنمية خادمة لها ، كما جعلت الغاذية خادمة للنّامية وللمولّدة أيضا.