العضل فاعلة للحركة وهي محرّكة بالحقيقة ، وكذا هي خادمة ومطيعة لتلك القوى الثلاث التي هي آمرة وباعثة على الحركة ، وأنّ تلك القوى الثلاث بعضها مباد بعيدة لها وهي القوى المدركة ، وبعضها أقرب منها وهي القوّة الشّوقيّة الغضبيّة أو الشّهوانيّة المتوسّطة بين القوى المدركة وبين الإجماع ، وبعضها أقرب منها أيضا ، وهي الإجماع المذكور ، وهو الذي تطيعه القوّة الفاعلة للحركة بلا واسطة.
في الحكمة في القوى المحرّكة الحيوانيّة
ثمّ إنّهم ذكروا في بيان الحكمة في تلك القوى وسبب الاحتياج إليها : أنّه كما أنّ الحكمة في القوى النّباتيّة حفظ الشّخص وبقاء النوع ، كذلك الحكمة في هذه القوى المحرّكة الحيوانيّة في الحيوان المحافظة على الأبدان بحسب كمالاتها الشّخصيّة أو النّوعيّة وفي الإنسان ، فهذه المحافظة مع ما يتوسّل بها الشّخص إلى اكتساب الخير الحقيقيّ والكمال الأبديّ بحسب العمل والعلم.
انظر إلى أنّ العناية الأزليّة كيف جعلت في جبلّة الحيوانات داعية الجوع والعطش ، لتدعو نفوسها إلى الأكل والشّرب ، ليخلف بدلا عما يتحلّل ساعة فساعة من البدن الدائم التحلّل والذوبان ، لأجل استيلاء الحرارة الغريزيّة الحاصل من نار الطبيعة. وجعلت لنفوسها أيضا الآلام والأوجاع عند الآفات العارضة لأبدانها ، لتحرص النفوس على حفظ الأبدان من الآفات إلى أجل معلوم. ذلك تقدير العزيز العليم.
في القوى المدركة الحيوانيّة
وهذا الذي ذكرناه هو الكلام في القوى المحرّكة الحيوانيّة ، وأمّا القوى المدركة الحيوانيّة ، فتنقسم ـ على المشهور ـ إلى الحواسّ الخمس الظاهرة المشهورة ، والحواسّ الخمس الباطنة المستورة. أمّا الخمس الظاهرة التي هي لظهورها غنية عن الإثبات ، فمنها اللّمس.