في اللّامسة
وهي قوّة مرتّبة في أعصاب البدن في أعصاب البدن كلّه ولحمه ، تدرك بالمماسّة ، وتؤثّر فيه بالمضادّة المحيلة للمزاج ولهيئة التّركيب. وحيث كان الإحساس بهذه القوّة بالمماسّة والملاقاة ، فلا تحتاج إلى متوسّط كما في الحواسّ الأخر على ما سيأتي بيانه.
وأوّل الحواسّ الذي يصير به الحيوان حيوانا هو هذه القوّة ، فإنّه كما أنّ كلّ ذي نفس حيوانيّة أو أرضيّة ، فإنّ له قوّة غاذية ، ويجوز أن يفقد قوّة أخرى ، ولا ينعكس ، كذلك حال كلّ ذي نفس حيوانيّة ، فله حسّ اللّمس ، ويجوز أن يفقد قوّة أخرى ولا ينعكس.
وحال الغاذية عند سائر قوى النّفس الأرضيّة حال اللّمس عند سائر قوى الحيوان ، وذلك لأنّ الحيوان تركيبه الأوّل هو من الكيفيّات الملموسة ، فإنّ مزاجه منها وفساده باختلالها ، والحسّ طليعة للنّفس ، فيجب أن يكون الطّليعة الاولى هو ما يدلّ على ما يقع به الفساد ، ويحفظ به الصّلاح ، وأن يكون قبل الطّلائع التي تدلّ على أمور تتعلّق ببعضها منفعة خارجة عن القوام ، ومضرّة خارجة عن الفساد. والذّوق وإن كان دالّا على الشيء الذي به يستبقى الحياة من المطعومات ، فقد يجوز أن يعدم الذّوق ويبقى الحيوان حيوانا ، فإنّ الإحساس الآخر ربّما أعان على ارتياد الغذاء الموافق واجتناب المضارّ. وأمّا الحواسّ الأخرى ، فلا تعين على معرفة أيّ هواء محيط بالبدن مثلا محرق أو مجمد.
وبالجملة ، فإنّ الجوع شهوة اليابس الحارّ ، والعطش شهوة البارد الرّطب ، والغذاء بالحقيقة ما يتكيّف بهذه الكيفيّات التي يدركها اللمس. وأمّا الطّعوم فتطييبات ، فلذلك كثيرا ما يبطل حسّ الذّوق لآفة تعرض ، والحال أنّ الحيوان باق. فظهر أنّ اللّمس هو أوّل الحواسّ ، ولا بدّ منه لكلّ حيوان أرضيّ. ولشدّة الاحتياج إلى هذه القوّة ، كانت منبثّة في جميع البدن ، وسارية بمعونة الأعصاب في جميع الأعضاء ، إلّا ما كان عدم الحس أنفع له ، كالكبد والطّحال والكلية ، لئلّا تتأذّى ممّا يلاقيها من الحادّ اللذّاع ، فإنّ الكبد مولّد للصّفراء والسّوداء ، والطّحال والكلية مصبّتان لما فيه لذع ، وكالرّية ، فإنّها دائمة الحركة ، فتتألّم باصطكاك بعضها ببعض ، وكالعظام فإنّها أساس البدن ودعامة الحركات. فلو