التّجويف الذي هو في الملتقى أودع فيه القوّة الباصرة ، ويسمّى بمجمع النّور. وإنّما جعلت هاتان العصبتان مجوّفتين للاحتياج إلى كثرة الرّوح الحامل للقوّة الباصرة ، بخلاف سائر الحواسّ الظّاهرة.
وذكر علماء التّشريح أنّ الحامل لهذه القوّة هو الزّوج الأوّل من الأزواج السّبعة التي هي الأعصاب النّابتة من الدّماغ ، وهما مجوّفتان تتلاقيان فتفترقان إلى العينين.
وبالجملة ، فيتعلّق البصر بالذّات بالضّوء واللّون ، وبتوسّطهما بسائر المبصرات كالشّكل والمقدار والحركة وغيرها ، وهذا أيضا يحتاج إلى متوسّط ، أي جسم شفّاف بين الرائي والمرئيّ ، كما أنّه يشترط فيه شروط ، وهي عشرة على المشهور ، أحدها : توسّط الشّفاف ، والباقية : المقابلة بين الرائي والمرئيّ ، وعدم البعد والقرب المفرطين ، وعدم الصّغر المفرط ، وعدم الحجاب ، وكون المرئيّ كثيفا أي مانعا من نفوذ الشّعاع منه ، وكونه مضيئا أو مستضيئا ، وسلامة الحاسّة ، والقصد إلى الإحساس.
وأمّا أنّ ماهيّة الضّوء واللّون والشّفّاف ما ذا؟ وأنّ كيفيّة الإبصار ما هي؟
هل هي بخروج الشّعاع من العين؟ كما هو مذهب الرّياضيّين على اختلاف بينهم في ذلك الشّعاع الخارج ، حيث ذهب بعضهم إلى أنّه مخروط مصمت ، مركزه عند البصر ، قاعدته عند سطح المبصر. وبعضهم إلى أنّه مخروط مركّب من الخطوط الشّعاعيّة المستقيمة أطرافها التي تلي البصر مجتمعة عند مركزها ، ثمّ تمتدّ متفرّقة إلى المبصر. وبعضهم إلى أنّه خطّ واحد مستقيم ، فإذا انتهى إلى المبصر تحرّك على مسطّحه في جهتي طوله وعرضه حركة في غاية السّرعة ، ويتخيّل بحركته هيئة مخروط.
أو أنّ المشفّ الذي بين البصر والمرئيّ يتكيّف بكيفيّة الشّعاع الذي في البصر ، ويصير بذلك آلة للإبصار ، كما هو المذهب المنسوب إلى أفلاطون.
أو بأن ينطبع شبح المرئيّ في جزء من الرّطوبة الجليديّة التي هي كالبرد والجمد في الصّقالة ، كما ينطبع في المرآة ، لا بأن ينفصل منه شيء ويتحرّك إلى العين ، بل بأن يفيض عليها صورة مثل صورته ، بسبب استعداد يحدث لها بعد اجتماع شرائط الإبصار ، كما هو