المناسب المختار عند أرسطو وأتباعه كالشيخ وغيره من الحكماء الطّبيعيّين.
أو أنّ الإبصار ليس بخروج الشّعاع ، ولا بتكيّف المشفّ ، ولا بالانطباع ، بل إذا اجتمع شرائط الإبصار يحصل للنّفس علم جزئيّ خاصّ بالمبصر على سبيل الحضور والمشاهدة من طريق البصر ، علما خاصّا لنور البصر وشعاعها الخارج منها. وكذا التكيّف الهواء به مدخل فيه ، فلذا عبّر عنه قوم بخروج الشّعاع وبتكيّف الهواء ، وكذا الحاصل هناك إنّما هو شبح المرئيّ ، أي المرئيّ بوجوده الظّلي لا العينيّ ، فلذا عبّر عنه قوم بالانطباع ، كما هو المنسوب إلى جماعة من حكماء الاسلام. ومنهم المعلم الثّاني في الجمع بين الرأيين ، حيث جمع بين رأيي أفلاطون وأرسطو بهذا الوجه ، وقال (١) :
«ليس مقصود أفلاطون وأرسطو وأشباههما إلّا هذا المعنى. وكذلك كثير من المباحث المتعلّقة بالإبصار».
فالكلام فيه طويل يستدعي تأليف رسالة منفردة في ذلك ، فلذا أعرضنا عن تحقيق القول في ذلك ، مع أنّه ليس غرضنا في هذا المقام تحقيق أمثال هذه المسائل ، بل ذكر قوى النّفس على سبيل الإجمال.
في الحواسّ الباطنة
وأمّا الحواسّ الباطنة ، فهي أيضا خمس على المشهور : الحسّ المشترك ، والخيال ، والوهم ، والحافظة ، والمتخيّلة ، وهي التي لمعرفتها كثير ارتباط بمعرفة أحوال النّفس النّاطقة التي نحن بصدد بيان أحوالها ، وهي التي تسمّى قوى مدركة باطنة. أمّا كونها باطنة ، فلبطونها وعدم ظهورها ظهور الحواسّ الظّاهرة ، ولذا كانت محتاجة إلى الإثبات كما سيأتي بيانه. بخلاف الحواسّ الظّاهرة حيث كانت غنيّة عن الإثبات. وأمّا كونها مدركة مع كون المدرك بالحقيقة اثنتين منها وهما الحسّ المشترك والوهم ، وكون الثّلاثة الباقية معينة على الإدراك لأنّ الإدراكات الباطنة لا تتمّ إلّا بالجمع ، مع أنّ الإعانة بالحفظ
__________________
(١) الجمع بين الرأيين / ٣١ ـ ٤٠ ، للفارابيّ.