نركّب المحسوسات بعضها إلى بعض ، وأن نفصّل بعضها (١) من بعض ، لا على الصّورة التي وجدناها عليها من خارج ، ولا مع تصديق بوجود شيء منها أو لا وجوده ، فيجب أن (٢) يكون فينا قوّة تفعل ذلك بها ، وهذه هي التي تسمّى إذا استعملها العقل : مفكّرة ، وإذا استعملها (٣) قوّة حيوانيّة : متخيّلة.
ثمّ إنّا قد نحكم في المحسوسات بمعان لا نحسّها ، إمّا أن لا تكون في طبائعها محسوسة البتّة ، وإمّا أن تكون محسوسة ، لكنّا (٤) لا نحسّها وقت الحكم.
أمّا التي لا تكون محسوسة في طباعها ، فمثل العداوة والرّداءة والمنافرة التي تدركها الشاة في صورة الذئب. وبالجملة المعنى الذي ينفّرها عنه ، والموافقة التي تدركها من صاحبها ، وبالجملة المعنى (٥) الذي يؤنسها به ، وهذه أمور تدركها النّفس الحيوانيّة ، والحسّ لا يدلّها على شيء منها ، فإذن القوّة التي بها تدرك قوّة اخرى ، ولتسمّ الوهم.
وأمّا التي تكون محسوسة ، فإنّا نرى مثلا شيئا أصفر ، فنحكم أنّه عسل وحلو ، فإنّ هذا ليس يؤدّيه إليه الحاسّ في هذا الوقت وهو من جنس المحسوس ، على أنّ الحكم نفسه ليس بمحسوس البتّة ، وإن كانت أجزاؤه من جنس المحسوس ، وليس يدركه في الحال ، إنّما هو حكم (٦) يحكم به ، وربّما غلط به ، وهو أيضا لتلك القوّة. وفي الإنسان للوهم أحكام خاصّة ، من جملتها حملها (٧) النّفس على أن تمنع وجود أشياء لا تتخيّل ولا ترتسم فيه (٨) ، وثانيها التّصديق بها. فهذه القوّة لا محالة موجودة فيها (٩) ، وهي الرئيسة الحاكمة في الحيوان حكما ليس فصلا كالحكم العقليّ ، ولكن حكما (١٠) تخييليّا مقرونا بالجزئيّة ، وبالصّورة الحسّيّة ، وعنه (١١) يصدر أكثر الأفعال الحيوانيّة.
وقد جرت العادة بأن يسمّى مدرك الحسّ صورة ومدرك الوهم معنى ، ولكلّ واحد منهما خزانة.
فخزانة مدرك الحسّ هي القوّة الخياليّة ، وموضعها مقدّم الدّماغ ، فلذلك إذا حدثت
__________________
(١) في المصدر : عن بعض ...
(٢) تكون فينا قوّة يفعل ...
(٣) إذا استعملتها ...
(٤) لكننا ...
(٥) المعنى يؤنسها ...
(٦) حكم نحكم به ربّما غلط به ...
(٧) حمله ...
(٨) فيه ويأبى التصديق ...
(٩) فينا ...
(١٠) حكما تخيليّا ...
(١١) وعنها تصدر.