إدراكنا لمحسوس واحد ، وبقوّة واحدة ، ولا نجد فرقا بين أن ندرك صورة مبصرة مثلا ، وأن ندرك صورتين مبصرة ومذوقة حين تمييزنا بينهما ، فيجب أن يكون إدراكنا في الحالتين على نسق واحد غير مختلف ، وكما إنّا إذا أبصرنا شيئا يكون إبصارنا ، له بحصول صورته في آلة الباصرة فتدركها القوّة الباصرة ثمّ تدركها النّفس بتوسّطها ، كذلك ينبغى أن يكون إدراكنا للمبصر والمذوق معا مثلا بحصول صورتيهما في آلة من الآلات البدنيّة ، فتدركهما قوّة شأنها إدراك المحسوسات كلّها التي قلنا إنّها الحسّ المشترك ، وآلتها الرّوح المصبوب في مقدّم البطن المقدّم من الدماغ. وإسناد الحكم والتّمييز إلى هذه القوّة لا ينافي إسنادهما إلى النّفس أيضا ، حيث إنّ الحاكم والمميّز أوّلا هو هذه القوّة ، وبتوسّطها تكون النّفس أيضا مميّزة وحاكمة ، لكونها قوّة من قواها ، وبتوسّطها تصدر الأفعال عن النّفس ، كما في القوى والحواسّ الأخر.
وبالجملة ، فإنّا لا نجد فرقا في ذلك بين إدراكنا لمحسوس واحد ، وبين إدراكنا لأزيد من واحد ، فكيف يكون إدراك المحسوس الواحد بحصول صورته في آلة حاسّة من الحواسّ تدركها تلك الحاسّة أوّلا وبتوسّطها تدركها النّفس إدراكا حصوليّا كما هو المقرّر عندهم ، ويكون إدراك المحسوسات إذا كانت أزيد من واحد ، بحصول صورة كلّ واحد في آلة مخصوصة بها ، فتدركها الحواسّ الخاصّة بها أوّلا إدراكا حصوليّا ثمّ تدركها النّفس إدراكا حضوريّا بحصولها في آلاتها وحضور الآلات مع ما فيها عندها ، كما في علم النّفس بآلاتها وبذاتها وعلمها بعلمها ، كما هو مبنى الإيراد.
وعلى هذا ، فكأنّ معنى كلام الشيخ : «وذلك لأنّها من حيث هي محسوسة ، وعلى النّحو المتأدّي من المحسوس لا يدركها العقل».
أنّها من هذه الحيثيّة لا يدركها العقل أصلا ، لا بأن يحصل صورها في ذات النّفس بدون حصولها في آلاتها ، فتدركها النّفس إدراكا حصوليّا كما في إدراكها للصّور المعقولة ، حيث إنّها لكونها مجرّدة عن المادّة وتوابعها ، يحتاج إدراكها للصّور المحسوسة إلى قوى جسمانيّة وآلات بدنيّة ، ولا بأن تحصل تلك الصّور في آلاتها ، فتدركها النّفس إدراكا