حضوريّا لحضور تلك الآلات مع ما فيها عندها ، لأنّا لا نجد فرقا بين إدراكنا لمحسوس واحد وإدراكنا لأكثر من واحد.
إيراد آخر مع دفعه
فإن قلت إذا كان إدراك أمرين محسوسين أو أكثر والتمييز بينهما أو بينها دليلا على إثبات قوّة على حدة ، تدرك ذينك الأمرين أو تلك الأمور ، لكان لا يجب أن يكون إدراك الكلّيّ والجزئيّ والتمييز بينهما ، والحكم بأحدهما على الآخر ، كما في قولنا : زيد إنسان وهذا الحجر ليس بإنسان ، دليلا على إثبات قوّة على حدة تدركهما وتميّز بينهما ، ولم يقل به أحد.
قلت : ذلك إنّما هو لأجل أنّ إثبات قوّة واحدة على حدة تدرك الكلّيّ والجزئيّ ، ممّا لا يمكن ، حيث إنّ إثبات قوّة كذلك يستلزم القول بكونها مجرّدة وغير مجرّدة معا ، وهذا محال. ولذلك قالوا : إنّ النّفس في تمييزها بين الكلّيّ والجزئيّ تدركهما بقوّتين ، يعنى إنّها تدرك الكلّيّ بقوّة عقليّة ، وبحصول صورته في ذاتها ، وتدرك الجزئيّ بقوّة جسمانيّة ، وبحصول صورته في آلتها ، وبما ذكرنا تمّ الدليل على هذا المرام ، واندفع الإيراد عنه ، إلّا أنّه بقي هاهنا دقيقة.
دقيقة
ينبغى التنبيه عليها ، وهي أنّ التمييز بين المحسوسات والحكم بينها ، كما هو دليل على إثبات الحسّ المشترك كما ذكره الشّيخ ، وبيّنّا وجهه ، كذلك هو دليل على إثبات الخيال أيضا ، كما سيومئ كلامه إليه ، ولذلك قال في الإشارات (١) : «وبهاتين القوّتين يمكنك أن تحكم أنّ هذا اللّون غير هذا الطّعم» وأشار بقوله : «هاتين القوّتين» إلى الحسّ المشترك والخيال.
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٣٣٨.