ويدلّ أيضا عليه ما نقلنا عنه في تعديد القوى ، فتذكّر.
وقوله : «ونحن ممّن نفصّل ذلك والصّور الّتي في الحسّ المشترك» أي نحن ممّن نفرّق بين الخيال والمتخيّلة ، وكذا بين الصّور التي في الحسّ المشترك المتأدّية إليه من طرق الحواسّ الباطنة الّتي يسمّى حافظها الخيال والمصوّرة ، والصّور المتأدّية إليه من طرق الحواسّ الباطنة الّتي يسمّى مركّبها ومفصّلها متخيّلة ، كما سيأتي في كلامه.
وقوله : «والحسّ المشترك والخيال كأنّها قوّة واحدة». ـ إلى آخره ـ أي قوّة واحدة بالموضوع ، وكأنّهما لا تختلفان في الموضوع ، حيث إنّ موضوعهما جميعا هو البطن المقدّم من الدّماغ ، وإن كان مقدّمه موضوعا للحسّ المشترك ، ومؤخّره موضوعا للخيال ، بل في الصّورة. أي بل إنّما تختلفان في الصّورة الحاصلة فيهما ، لكن لا في ذات الصّورة نفسها ، بل من جهة أخرى يدلّ عليها قوله «وذلك لأنّه ليس أن يقبل هو أن يحفظ ، فصورة المحسوس يحفظها القوّة التي تسمّى المصوّرة والخيال» يعني أنّ تلك الصّور إنّما تحصل في الحسّ المشترك من حيث إنّه مدرك لها ، قابل إيّاها ، وتحصل في الخيال من حيث إنّه حافظ لها ، ممسك إيّاها ، وحيث كان القبول والحفظ أمرين متغايرين ، كان لا محالة مبدءاهما ، وهما الحسّ المشترك والخيال متغايرين.
ومعنى قوله : «وذلك لأنّه ليس أن يقبل هو أن يحفظ» كما يدلّ عليه قوله فيما نقلنا عنه في فصل تعديد القوى : «واعلم أنّ القبول لقوّة غير القوّة التي بها الحفظ ، فاعتبر ذلك من الماء ، فإنّ له قبول النّقش والرّقم وبالجملة الشّكل وليس له قوّة حفظ» أنّ القبول من حيث هو قبول مغاير للحفظ من حيث هو حفظ ، فإنّهما لو كانا متّحدين ، لما تخلّف أحدهما عن الآخر ، كما في الماء ، حيث إنّ له القبول دون الحفظ. وحيث كان متخلّفا أحدهما عن الآخر ، فكان أحدهما غير الآخر ، وكان مصدراهما أيضا متغايرين ، لأنّ الواحد لا يصدر عنه من جهة واحدة إلّا الواحد ، كان الحسّ المشترك من حيث إنّه قابل للصّور غير الخيال من حيث إنّه حافظ لها ، وبهذا يتمّ الدّليل على وجودهما ، وعلى مغايرة أحدهما للآخر.