ولا يرد النقض بالأشياء التي تجتمع فيها القبول والحفظ معا ، كالأرض التي يجتمع فيها قبول صورة ما وحفظها ، لأنّ ذلك إنّما هو لقوّتين فيها ، وكالخيال نفسه الذي هو مع حفظ الصّورة قابل لها أيضا حيث إنّ حفظ الصّورة لا يتصوّر بدون القبول ، لأنّ الخيال ليس شأنه بذاته قبول الصّور ، بل إنّما ذلك القبول من جهة أنّه لمّا كان خزانة للحسّ المشترك القابل للصّور وحافظا لها ، وكان الحفظ متوقّفا على القبول مسبوقا به ، فلذا كان قابلا لها أيضا ، وكان قبولها لها لا بالذات ، بل بالواسطة وبالعرض ، كما أنّ كثيرا من القوى يصدر عنها بالذّات فعل ، وبالواسطة فعل آخر مغاير للأوّل ، والمقصود إثبات قوّة شأنها بالذّات أن تكون قابلة للصّور. وظاهر أنّ الخيال ليس كذلك ، بل إنّما هي الحسّ المشترك ، كما أنّ المقصود ، إثبات قوّة شأنها بالذّات حفظ الصّور ، وهي ليست بالحسّ المشترك ، بل إنّما هي الخيال.
وكذلك لا يرد النّقض بالأشياء التي يصدر عنها الكثير ، كالحسّ المشترك الذي يجتمع فيه صور المحسوسات ويدركها جميعا ، وكالنّفس التي تصدر عنها أفعال مختلفة أشرنا إليه من قبل ، حيث قلنا إنّ الصّادر بالذّات من الحسّ المشترك هو استثبات الصّور ، ثمّ يصير مستثبتا لأنواع المحسوسات ، كالألوان والطّعوم والروائح وغيرها بقصد ثان ، لانقسام تلك الصّور إليها ، وأنّ النّفس إنّما يتكثّر فعلها لتكثّر وجوه الصّدورات عنها.
وقوله : «وليس إليها حكم البتّة بل حفظ ، وأمّا الحسّ المشترك والحواس الظّاهرة ، فإنّها تحكم بجهة ما ، أو بحكم ما ، فيقال : إنّ هذا المتحرّك أسود ، وإنّ هذا الأحمر حامض ، وهذا الحافظ لا يحكم به على شيء من الموجود إلّا على ما في ذاته ، بأنّ فيه صورة كذا».
بيان لفرق آخر بين الحسّ المشترك والخيال غير ما تقدّم.
وشرحه : أنّه كما أنّهما متغايران من جهة الصّورة الحاصلة فيهما باعتبار أنّ أحدهما ـ وهو الحسّ المشترك ـ قابل لها لا حافظ ، والآخر ـ وهو الخيال ـ حافظ بذاته لا قابل ، وأنّ قبولها لها لا لذاته بل بالعرض. ولأجل أنّ الحفظ يتوقّف على القبول ، كذلك بينهما فرق آخر يدلّ على تغايرهما ، وهو أنّ الخيال والمصوّرة ليس إليهما حكم البتّة بوجه من