الوجوه ، بالقياس إلى الصّور التي هي حافظة لها إلّا على ما فى ذاتها بأنّ فيها صورة كذا ، وأمّا الحسّ المشترك ، فإنّه يحكم بها وعليها حكما إيجابيّا أو سلبيّا ، ويميّز بينها كما مرّ.
وإنّما قال : «وأمّا الحسّ المشترك والحواسّ الظّاهرة ، فإنّها تحكم» وضمّ إلى الحسّ المشترك الحواسّ الظّاهرة في ذلك ، مع أنّه ليس إليها أيضا حكم كما مرّ. إشعارا بأنّ الحسّ المشترك له حكم بمعونة الحواسّ الظّاهرة ، ويتأدّى الصّور منها إليه ، فكأنّها شريكة له في ذلك.
وقوله : «ثمّ قد نعلم يقينا أنّ في طبيعتنا أن نركّب المحسوسات بعضها إلى بعض ، وأن نفصّل بعضها عن بعض لا على الصّورة التي وجدناها عليها من خارج ، ولا مع تصديق بوجود شيء منها أو لا وجوده ، فيجب أن يكون فينا قوّة تفعل ذلك بها ، وهذه هي التي تسمّى إذا استعملها العقل مفكّرة ، وإذا استعملها قوّة حيوانيّة متخيّلة».
بيان لإثبات القوّة المتخيّلة ، ولمغايرتها لقوّة الخيال ، ولتسميتها مفكّرة ومتخيّلة باعتبارين ، وشرحه واضح ، وإنّما خصّها هنا بتركيب الصّور التي لا وجود لها في الخارج وتفصيلها إشعارا بأنّ أغلب أفعالها وأظهرها إنّما هو تركيب الصّور التي لا وجود لها في الخارج وتفصيلها ، وإلّا فمن شأنها تركيب الصّور الموجودة في الخارج أيضا وتفصيلها ، كما يدلّ عليه إطلاق كلامه فيما نقلنا عنه في تعديد القوى ، حيث قال : «من شأنها أن تركّب بعض ما في الخيال مع بعض ، وتفصّل بعضها عن بعض بحسب الإرادة».
وبقي شيء ، وهو أنّ كلامه في «الإشارات» حيث قال في بيان هذه القوّة : «لها أن تركّب وتفصّل ما يليها من الصّور المأخوذة من الحسّ ، والمعاني المدركة بالوهم ، وتركّب أيضا الصّور بالمعاني وتفصّلها عنها ، وتسمّى عند استعمال العقل مفكّرة ، وعند استعمال الوهم متخيّلة ، مع دلالته على أنّه من شأنها أيضا تركيب المعاني بالمعاني وتفصيلها عنها ، والحال أنّه لم يذكر ذلك في هذا الكلام منه في «الشفاء» ، كأنّه موهم لاختصاص الصّور المركّبة والمفصّلة بالصّور الموجودة في الحال ، حيث إنّ الحسّ أي الحسّ الظّاهر لا يدرك إلّا الموجودة دون المخترعة. فعلى هذا فيكون بين كلامه في