الشيخ وغيره في موضعه هي : أنّ ما يعبّر به عن فصول النبات والحيوان والإنسان ، كالنّامي والحسّاس والناطق ، إنّما هي أمارات للفصول وعلامات لها وتعبيرات عنها ، وليست هي بالفصول حقيقة ؛ إنّما الفصول بالحقيقة هي ما يصدق عليه تلك المشتقّات ، وهي النّفوس لها.
وبيان ذلك على الإجمال ، أنّه وإن كان المميّز للنبات ـ مثلا ـ عن غيره هو النّموّ ، والمميّز للحيوان عن غيره هو الحسّ ، والمميّز للإنسان عن غيره هو النطق ، إلّا أنّ هذه المعاني ، التي هي مبادي اشتقاق النامي والحسّاس والناطق ، ليست بمحمولة بالتواطؤ على ما فرضت هي مميّزات لها ، أي النبات والحيوان والإنسان ، إذ لا يقال : إنّ النبات نموّ ، ولا الحيوان حسّ ، ولا الإنسان نطق ؛ بل إنّما تحصل هذه بالتواطؤ ، على ما ليست هي بفصول لها. كما يقال : نموّ هذا الشجر نموّ ذلك الشجر نموّ ، وحسّ هذا الحيوان حسّ ، وحسّ ذلك حسّ ، ونطق زيد نطق ، ونطق عمرو نطق. أو يقال : التزايد في الأقطار نموّ ، والبصر والسمع حسّ ، وإدراك الكليّ نطق ، ونحو ذلك.
ولا يخفى أنّ المعتبر في الفصل المميّز ، أنّ يكون محمولا بالمواطأة على ما هو فصل له ، إذ قد عرفت أنّ الفصل ما كان متّحدا في الوجود مع الجنس والنوع ، وهذا الاتّحاد يقتضي أن يكون هو محمولا على الجنس والنّوع بالمواطاة ، وليس الأمر في هذه المبادي للاشتقاق كذلك ، بل إنّها تحمل على الجنس والنوع حملا بالاشتقاق ، وهو ليس بمناط للفصليّة.
فظهر أنّ تلك المبادي ليست بفصول حقيقة ، فلننظر في أنّ المشتقات منها ، أي النّامي والحسّاس والناطق ، هل يمكن أن تكون فصولا حقيقيّة أم لا؟
فنقول : إنّ لتلك المشتقّات مفهومات ، وكذا ما يصدق تلك المفهومات عليه ؛ أمّا مفهوماتها ، فهي عبارة عن شيء ما ثبت له النموّ وشيء ما ثبت له الحسّ ، وشيء ما ثبت له النطق ؛ فتكون عبارة عن مفهوم الشيء مع نسبة ما إضافيّة إلى تلك المبادي للاشتقاق.
ولا يخفى أنّ شيئا من ذلك لا يصلح لكونه فصلا ، لأنّ مفهوم الشيء مفهوم عرضيّ