وأمّا تحرير كلامه في هذا الجواب والحلّ : أنّ الأجسام السماويّة ، فإنّ فيها مذهبين :
مذهب من يرى أنّ كلّ كوكب يجتمع منه ومن عدّة كرات قد دبّرت بحركته جملة جسم كحيوان واحد ، فيكون حينئذ كلّ واحد من الكرات الكليّة التي يتمّ حركة الكواكب بها ، إنّما يتمّ فعله بعدّة أجزاء ذوات حركات ، أي الأفلاك الجزئيّة كالتداوير والخوارج المركز ، فتكون هي ـ أي الأفلاك الجزئيّة ـ كالآلات لها ، أي لتلك الأفلاك الكليّة. وبعبارة اخرى أنّ النفس الكليّة إنّما تعلّقت بالفلك الكلّيّ ، وأنّ ما في الفلك الكلّي من الأفلاك الجزئيّة إنّما هي بمنزلة الآلات له.
فعلى هذا المذهب ، وإن كان الجسم الفلكيّ آليّا ، إلّا أنّه ليس هذا المذهب صحيحا في نفسه ، لأنّه لا يستمرّ ولا يجري في كلّ الكرات الفلكيّة ، لأنّه يلزم على هذا المذهب أن لا يكون نفس متعلّقة بالأفلاك الجزئيّة ، والحال أنّا نشاهد أنّ لها حركات خاصّة مختلفة مخالفة لحركة الفلك الكلّي ، وعندهم أنّ كلّ حركة صادرة عن فلك إنّما هي حركة نفسانيّة ، وهذا إذا قلنا بالأفلاك السبعة للكواكب السبعة السيّارة لا أزيد.
وأمّا إذا قلنا بأزيد من ذلك ، كالفلك الثامن للكواكب الثوابت ، والفلك التاسع للحركة اليوميّة ، كما هو مقتضى الدليل عندهم ، فالأمر أظهر ؛ إذ الفلك التاسع عندهم لا كثرة فيه بوجه ، حتّى يمكن أن يكون آليّا. وكذلك الفلك الثامن عندهم ، وإن كان فيه الكواكب الثابتة ، لكن تلك الكواكب ليست مما يمكن أن تكون أجزاء وآلات له بها يتمّ فعله وحركته ، بل إنّما ذلك بمجرّد جسم ذلك الفلك الثامن.
وحيث كان هذا المذهب غير صحيح في نفسه ، فليس كلامنا في تحديد النفس الأرضيّة بناء على هذا المذهب ، ولا نبالي خروج النفس الفلكيّة على هذا المذهب عن الحدّ أو دخوله فيه ، وإن تكلّمنا عليه أيضا وقيّدنا الجسم بالآليّ في الحدّ ، حتّى تدخل هي فيه ، ثمّ قيّدناه بقولنا : «له أن يفعل أفعال الحياة» بالتفسير الذي فسّرنا به أفعال الحياة حتّى تخرج عنه ، فلا ضير فيه ، إذ ليس هنا معنى مشترك يشترك فيه النفس الفلكيّة والنفس الأرضيّة بأنواعها ، كما سيأتي بيانه.