نكته
وحيث عرفت ذلك ، فاعلم أنّ هذا الجواب كأنّه لا يفي بحلّ هذا التشكّك من الطريق الرابع ، ولا يظهر منه أنّ الجواب عنه ما ذا؟
وأقول : لعلّ الجواب عنه التزام كون التغذّي ونحوه من أفعال النبات حياة ، أو من جملة أفعال الحياة ، وأمّا أنّهم لا يسمّون النبات حيوانا ، فلعلّ وجهه أنّ مناط التسمية بالحيوان ، إمّا إمكان صدور جميع أفعال الحياة عنه كما في الإنسان ، أو إمكان صدور أكثرها أو معظمها عنه كما في الحيوان غير الإنسان ، وإمّا إمكان صدور بعض منها قليل كما في النبات ؛ فلعلّه لم يكن منشأ التسمية بالحيوان.
فان قلت : ما ذكرت من أنّ اشتراك اسم النفس بين الفلك والنبات ، بل بين الفلك والحيوان اشتراك لفظيّ ، وأن ليس هنا معنى مشترك ، إنّما هو مبنيّ على ما حدّدت به النفس ، كما ذكرت ؛ فلعلّها إذا حدّت بوجه آخر ، كان هناك معنى مشترك. فمن أين يحصل الجزم بعدم وجود معنى مشترك هنا كما ادّعيت؟
قلت : من البيّن أنّه لا يكون لحقيقة واحدة حدّان مختلفان ، فإنّ الحدّ عين المحدود ، وإن كان التفاوت بينهما بالإجمال والتفصيل. وكما أنّه لا يمكن أن يكون حقيقة واحدة حقيقتين مختلفتين ، كذلك لا يمكن أن يكون لحقيقة واحدة حدّان مختلفان. ومن البيّن أيضا أنّ ما ذكره الشيخ بقوله (١) : «كمال أوّل لجسم طبيعيّ آليّ له أن يفعل أفعال الحياة». تعريفا للنفس من حيث هي نفس ، حدّ لها من هذه الجهة ، كما عرفت بيانه ، فلا يكون غير ذلك حدّا لها ، بل إنّما يكون ذلك لو كان هنا تعريف آخر غير ذلك ، رسما لها أو تعبيرا عنها او تعيينا للمسمّى بها بوجه إيجابيّ أو سلبيّ ، من غير أن يكون حدّا لها.
ووجود معنى مشترك في هذه التعبيرات والرسوم ، كما في قول الشيخ فيما تقدّم (٢) :
__________________
(١) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ١٠ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.
(٢) الشفاء ـ الطبيعيّات ٢ / ٥ ، الفصل الأوّل من المقالة الاولى من الفنّ السادس.