لذلك الكون ، وكذا لذلك الكائن.
ولا يخفى أيضا أنّ ما نحن فيه من هذا القبيل ، لأنّ كون الجسم بحيث يصحّ أن يصدر عنه تلك الأحوال المعلومة ممّا يحتاج إلى أمر آخر هو الكمال له ، ويتمّ به هذا الكون ، وهو الذي سمّيناه نفسا ، كما تقدّم بيان ذلك كلّه. وظاهر أنّه مغاير بالموضوع لذلك الكون الذي قلنا إنّه حياة ، وكذا للجسم الكائن بهذا الكون ، فيكون معنى الحياة على هذا الوجه أيضا غير معنى النفس البتّة.
والوجه الثاني من الوجهين ، أن لا يكون هنا شيء غير هذا الكون وغير هذا الكائن في الموضوع والحقيقة ، مثل كون الجسم بحيث يصدر عنه الإحراق عند من يجعل نفس هذا الكون الحرارة ، حتّى يكون وجود الحرارة في الجسم هو وجود هذا الكون. وكذلك وجود النفس للجسم هو وجود هذا الكون له على ظاهر الأمر ، لو كان من هذا القبيل. إلّا أنّ ذلك لا يستقيم في النفس ، لأنّك قد عرفت فيما تقدّم ، أنّ ذلك في النفس إنّما يستقيم على الوجه الأوّل دون هذا الوجه. حيث عرفت أنّ كون الجسم بحيث يصدر عنه تلك الأفعال المعلومة يحتاج إلى انضمام أمر آخر هو غير ذلك الكون ـ أي النفس ـ حتّى يتمّ به هذا الكون ، فليس المفهوم من هذا الكون ومن النفس شيئا واحدا ، وكيف لا يكون كذلك ، والحال أنّ المفهوم من هذا الكون الموصوف لا يمنع أن يسبقه بالذات كمال ومبدأ تمّ للجسم هذا الكون ، والمفهوم من الكمال الأوّل الذي رسمناه وحدّدنا به النفس يمنع أن يسبقه بالذات كمال آخر ، لأنّ الكمال الأوّل ـ حيث فرض أوّل ـ ليس له مبدأ وكمال أوّل.
وأيضا المفهوم من الحياة بالمعنى الأوّل أو المعنى الثاني ، بالوجه الأوّل أو الثاني ، أمر إضافيّ عرض في موضوع والنفس ـ كما سيأتي بيان حقيقتها ـ جوهر لا في موضوع ، وأحدهما غير الآخر البتّة. وإنّما يتعرّض الشيخ لهذا الوجه ، لأنّه لم يبيّن بعد جوهريّتها. وكيف ما كان ، فليس إذن المفهوم من الحياة والنفس أمرا واحدا بالذات ، إذا عنينا بالحياة ما يفهمه الجمهور ، وهو معناها عندهم كما عرفت. نعم لو عنينا بالحياة أن تكون لفظة مرادفة للنفس في الدلالة على الكمال الأوّل ، واصطلاحنا على ذلك ، لم يناقش فيه ؛