الإنسان لو تأمّل أدنى تأمّل في الفرض المذكور ، أمكن له التنبّه بأنّ إدراكه لذاته ، الذي هو عبارة عن تصوّر ذاته والتصديق بثبوت وجود لها ، إدراك أوّليّ ضروريّ لا يحتاج فيه إلى حدّ أو رسم أو حجّة وبرهان ، كما يكون ذلك في الإدراكات الكسبيّة.
ولذلك المدرك ـ بصيغة اسم الفاعل ـ أوّلا وبالذات في هذا الإدراك ، إنّما هو ذاته بذاته ، ونفسه بنفسها ، من غير افتقار إلى قوّة أخرى أو آلة أو مشعر من المشاعر الظاهرة أو الباطنة ، كما يكون في إدراك المحسوسات وما شابهها من المتخيّلات والموهومات ، وكذلك المدرك ـ بصيغة اسم المفعول ـ إنّما هو ذاته بذاته ، ونفسه بنفسها ، من غير أن يكون ذلك عضوا من أعضاء بدنه ، أو جملة بدنه ، أو شيئا آخر غير نفسه وذاته.
وبالجملة لا مغايرة بين المدرك والمدرك بالذات ، وكيف يكون هذا الإدراك بآلة أو قوّة اخرى غير النفس بذاتها ، والحال أنّ المفروض الغفلة عن جميع المشاعر والحواسّ ، وأن لا استعمال لشيء من الحواسّ أصلا؟ وكيف يكون المدرك غير ذاته من بدنه وجسده وأعضائه الظاهرة والباطنة ومزاجه وأعراضه ، أو أمر خارج ، والمفروض عدم الشعور لشيء من ذلك أصلا؟ وكيف يكون هذا الإدراك كسبيّا ، والمفروض عدم إدراك شيء هنا سوى الذات وإنّيّتها ، حتّى يمكن أن يكون بسببه يحصل هذا الإدراك؟ وهذا كلّه ظاهر في الصورة المفروضة. ويعلم منه أنّ للمتنبّه أن يتنبّه أنّ الحال في إدراك الذات في غير هذه الصور أيضا ، أي في جميع حالات إدراكه لذاته ، كذلك ، كما هو ظاهر على من راجع وجدانه.
ذكر أوهام مع رفعها
ثمّ إنّ في هذا المقام أوهاما ربّما يمكن ذهاب وهم أحد إليها ، فيجب علينا أن نتصدّى لدفعها ، حتّى تنكشف جليّة الحال حقّ الانكشاف.
منها ما ذكره الشيخ في الإشارات ودفعه ، قال (١) :
__________________
(١) شرح الإشارات ٢ / ٢٩٦ ـ ٢٩٧.