في الأبدان كلّها ، ولو كانت واحدة وكثيرة بالإضافة ، لكانت عالمة فيها أو جاهلة ، ولما خفي على زيد ما في نفس عمرو ؛ لأنّ الواحد المضاف إلى كثيرين يجوز أن يختلف بحسب الإضافة.
وأمّا الأمور الموجودة له في ذاته فلا يختلف فيها حتّى إذا كان أبا لأولاد كثيرين وهو شابّ ، لم يكن شابّا إلّا بحسب الكلّ ، إذا الشباب له في نفسه ، فيدخل في كلّ إضافة ، وكذلك العلم والجهل والظنّ وما أشبه ذلك إنّما يكون في ذات النفس في كلّ إضافة (١) ، فإذن ليست النّفس واحدة ، فهي كثيرة بالعدد ، ونوعها واحد ، وهي حادثة كما بيّنّاه ، فلا شكّ أنّها بأمر تشخّصت ، وأنّ ذلك الأمر في النفس الإنسانيّة ليس هو الانطباع في المادّة ، فقد علم به بطلان القول بذلك ، بل ذلك الأمر هيئة من الهيئات ، وقوّة من القوى ، وعرض من الأعراض الروحانيّة ، أو جملة منها تشخّصها باجتماعها وإن جهلناها ، وبعد أن تشخّصت مفردة ، فلا يجوز أن تكون هي والنفس الأخرى بالعدد ذاتا واحدة ، فقد أكثرنا القول في امتناع هذا في عدّة مواضع ، لكنّا نتيقّن أنّه يجوز أن تكون النّفس إذا حدثت مع حدوث مزاج ما ، أن يحدث لها هيئة بعده في الأفعال النطقيّة والانفعالات النطقيّة تكون على جملة متميّزة عن الهيئة المناظرة لها في أخرى ، تميّز المزاجين في البدنين ، وأن تكون الهيئة المكتسبة التي تسمّى عقلا بالفعل أيضا على حدّ ما تتميّز به عن نفس أخرى ، وأنّها يقع لها شعور بذاتها الجزئيّة ، وذلك الشعور هيئة ما فيها أيضا خاصّة ليس لغيرها ، ويجوز أن يحدث فيها من جهة القوى البدنيّة هيئة خاصّة أيضا ، وتلك الهيئة تتعلّق بالهيئة الخلقيّة ، أو تكون هي هي ، أو تكون أيضا خصوصيّات أخرى تخفى علينا تلزم النفوس مع حدوثها وبعده ، كما يلزم من أمثالها أشخاص الأنواع الجسمانيّة ، لتتمايز بها (٢) ما بقيت وتكون الأنفس كذلك تتميّز بمخصّصاتها فيها ، كانت الأبدان أو لم تكن أبدان ، عرفنا تلك الأحوال أو لم نعرف ، أو عرفنا بعضها. انتهى كلامه (٣).
__________________
(١) في المصدر : في ذات النفس ، ويدخل مع النفس في كلّ إضافة.
(٢) في المصدر : الأنواع الجسمانيّة فتمايز بها.
(٣) الشفاء ، الطبيعيّات / ٣٥٣ ـ ٣٥٢ ، ط طهران.