مجرّد التعلّق لأجل حصول التخيّل ، من غير أن تكون هي متصرّفة فيها ، فهذه النفوس إذا فارقت الأبدان تتخيّل جميع ما كانت اعتقدته من الأحوال الأخرويّة ، ويكون الآلة التي يمكنها بها التخيّل لذلك شيئا من الأجرام السماويّة ، فتشاهد جميع ما قيل لها في الدنيا واعتقدته نحوا من الاعتقاد ، من أحوال القبر والبعث والخيرات الأخرويّة ، أي تشاهد جميع الأمور الجزئيّة الحسّيّة الأخرويّة والثواب عليها ، وتتصوّرها وتتخيّلها بالقوّة المتخيّلة التي آلتها ذلك الجرم السماويّ ، وكذلك تكون الأنفس الرديّة التي لم يرسخ فيها ذلك النحو من الاعتقاد في العاقبة تشاهد أيضا العقاب بحسب ذلك المصوّر لهم في الدنيا وتقاسيه.
وبهذا تمّ بيان حال النفوس البله كما ذكره الشيخ نفسه ، ونقله عن ذلك البعض الذي أراد به الفارابيّ وقد عرفت فيما سلف من مبحث إبطال التناسخ ما فيه من النظر ، فتذكّر.
وأمّا قوله : «فإنّ الصور الخياليّة ليست تضعف عن الحسّيّة الخ» بيان ، لأنّ تلك الصور الخياليّة كيف تكون سببا للثواب والعقاب ، ووجهه أنّ تلك الصور الخياليّة التي قلنا إنّ مشاهدتها سبب للثواب والعقاب ، ليست تضعف في الإلذاذ والإيلام عن الصور الحسّيّة ، بل تزداد عليها في ذلك تأثيرا وصفاء ، وقد تقدّم في الأصول المتقدّمة ما يدلّ على أنّ زيادة التأثير والصفاء توجب زيادة الإدراك للملذّ أو المؤلم ، فيزيد اللذّة أو الألم ، وهذا كما يشاهد في المنام ، فربّما كان المحلوم به من الصور الخياليّة الدنيويّة أعظم شأنا في بابه ، أي في الإلذاذ والإيلام من المحسوس ، على أنّ الصور الخياليّة الأخرويّة كما فيما نحن فيه أشدّ استقرارا من الموجودة المحلوم بها في المنام بحسب قلّة العوائق وتجرّد النفس وصفاء القابل ، فتكون الصور الخياليّة الأخرويّة في الإلذاذ والإيلام أقوى من الصور الحسّيّة بمرتبتين ، بل بمراتب.
وقوله : «وليست الصورة التي ترى في المنام الخ» بيان ، لأنّه لا يلزم أن تكون الصور الخياليّة التي إدراكها سبب للذّة أو الألم منتزعة من ملذّ موجود في الخارج ، أو مؤلم موجود في الخارج ، بل إنّ نفس تلك الصورة الخياليّة إذا حصل ارتسامها في النفس ، سواء كانت منتزعة من أمر في الخارج أو بمحض اختراع القوة الخياليّة تكون سببا لذلك. وبيانه