أنّه ليست الصورة التي ترى فى المنام من الصور الخياليّة ، بل ولا التي تحسّ في اليقظة منها ـ كما علمت في باب ذلك ـ إلّا المرتسمة في النفس وفي قواها ، إلّا أنّ إحداهما ، وهي التي ترى في المنام تبتدئ من باطن وتنحدر إلى النفس. والثانيّة وهي التي تحسّ في اليقظة ، تبتدئ من خارج وترتفع إليها ، وعلى التقديرين ، فإذا ارتسمت تلك الصورة في النفس بتوسّط ارتسامها في قواها فعلت فعلها هناك ، أي الادراك المشاهد. وإنّما يلذّ ويؤذي بالحقيقة هذا المرتسم في النفس لا الموجود في الخارج ، وكلّما ارتسم في النفس فعل فعله وإن لم يكن له سبب من خارج ، فإنّ السبب الذاتيّ لذلك هو هذا المرتسم ، والخارج سبب بالعرض أو سبب السبب ، فربّما كان وربّما لم يكن.
فهذه التي ذكرناها من الثواب والعقاب بحسب مشاهدة الصور الخياليّة في النفوس البله هي السعادة والشقاوة الحسّيّتان اللتان بالقياس إلى الأنفس الخسيسة المتوجّهة إلى الأسفل ، وأمّا الأنفس المقدّسة عن تلك الخسّة المتوجّهة نحو الجهة التي هي فوقها ، فإنّها تبعد عن مثل هذه الأحوال ، وتتّصل بكمالها بالذّات وتنغمس في اللذّة الحقيقيّة العقليّة وتتبرّأ عن النظر إلى ما خالفها من الأمور الخسيسة الحسيّة ، وإلى المملكة البدنيّة التي كانت لها كلّ التبرّؤ ، أي تبرّءا كاملا ، إذ لو كان قد بقى في تلك النفوس المقدّسة من النظر إلى ما خلفها أثر اعتقاديّ من جهة القوّة النظريّة ، أو خلقيّ من جهة القوّة العمليّة ، تأذّت بذلك الأثر ، لكونه منافيا لحقيقتها المقدّسة عن ذلك ، وتخلّفت لأجله عن درجة العليّين إلى أن ينفسخ شيئا فشيئا عنها ويزول ، وترقّت إلى درجة العليّين.
وهذا شرح كلامه هنا فيما نقله عن ذلك البعض عن العلماء ، سواء كان كلّه هو قول ذلك البعض أو بعضه ، وهو ما ذكره أوّلا.
وبالجملة ، فليس فيه أيضا تعرّض لأنّ السعادة والشقاوة الحسّيّتين بالقياس إلى النفوس البله ، هل تنقطعان أم لا؟ وقد ذكرنا آنفا أنّ مقتضى ما ذكره سابقا من زوال الهيئة الرديّة انقطاع شقاوتها. وقد ذكر في «الإشارات» كما نقلنا كلامه سابقا ما يشعر بزوال سعادتها الحسّيّة أيضا وتدرّجها إلى درجة العارفين آخر الأمر.
قال : «وأمّا البله فإنّهم إذا تنزّهوا خلصوا من البدن إلى سعادة تليق بهم ، ولعلّهم لا