سخيف ، لأنّ التناسخ الذي أطبق المسلمون على بطلانه هو تعلّق الأرواح بعد خراب أجسادها بأجسام أخر في هذا العالم ، أمّا عنصريّة كما يزعم بعضهم ويقسّمه إلى النسخ والمسخ والفسخ والرسخ ، أو فلكيّة ابتداء ، أو بعد تردّدها في الأبدان العنصريّة ، على اختلاف آرائهم الواهية المفصّلة في محلّها. وأمّا القول بتعلّقها في عالم آخر بأبدان مثاليّة مدّة البرزخ إلى أن تقوم قيامتها الكبرى ، فتعود إلى أبدانها الأوّليّة بإذن مبدعها ، إمّا بجمع أجزائها المتشتّتة ، أو بإيجادها من كتم العدم ، فليس من التناسخ في شيء ، وإن سمّيته تناسخا فلا مشاحّة في التسمية إذا اختلف المسمّى. وليس إنكارنا على التناسخيّة حكمنا بتكفيرهم بمجرّد قولهم بانتقال الروح من بدن إلى آخر ، فإنّ المعاد الجسمانيّ كذلك عند كثير من أهل الإسلام ، بل بقولهم بقدم النفوس وتردّدها في أجسام هذا العالم ، وإنكارهم المعاد الجسمانيّ في النشأة الأخرويّة».
ثمّ قال قدسسره : «ما ورد في بعض أحاديث أصحابنا رضي الله عنهم ، من أنّ الأشباح التي تتعلّق بها النفوس ما دامت في عالم البرزخ ليست بأجسامهم ، وأنّهم يجلسون حلقا حلقا على صور أجسادهم العنصريّة يتحدّثون ويتنعّمون بالأكل والشرب ، وأنّهم ربّما يكونون في الهواء بين الأرض والسماء ، يتعارفون في الجوّ ويتلاقون ، وأمثال ذلك ، كما يدلّ على نفي الجسميّة وإثبات بعض لوازمها ، يعطي أنّ تلك الأشباح ليست في كثافة المادّيّات ولا في لطافة المجرّدات ، بل هي ذوات جهتين وواسطة بين العالمين ، وهذا يؤيّد ما قاله طائفة من أساطين الحكمة من أنّ في الوجود عالما مقداريّا غير العالم الحسّيّ ، هي واسطة بين عالم المجردات وعالم الماديّات ، ليس في تلك اللطافة ولا في هذه الكثافة ، فيه ما للأجسام والأعراض من الحركات والسكنات والأصوات والطّعوم والروائح وغيرها مثل قائمة بذواتها لا في مادّة ، وهو عالم عظيم الفسحة ، وسكّانه على طبقات متفاوتة في اللطافة والكثافة ، وقبح الصورة وحسنها ، ولأبدانهم المثاليّة جميع الحواسّ الظاهرة والباطنة ، فيتنعّمون ويتألّمون باللذّات والآلام النفسانيّة والجسمانيّة.
وقد نسب العلّامة في «شرح حكمة الإشراق» ، القول بوجود هذا العالم إلى الأنبياء والأولياء والمتألّهين من الحكماء ، وهو وإن لم يقم على وجوده شيء من البراهين العقليّة ،