وقد وردت بما يدلّ على هذا القول أخبار كثيرة غير ما ذكرنا هنا أيضا ، كما نقلنا في صدر الرسالة جملة من الأخبار في ذلك ، وكلّها متقاربة المضامين تدلّ على انتقال الأرواح إلى القالب المثاليّ ، فتذكّر.
ثمّ إنّ عمدة المستند في ذلك عند المتمسّكين بالأخبار ، هي تلك الأخبار الواردة في ذلك ، كما أنّ عمدة المستند فيه عند الحكماء الإشراقيّين والصوفيّة من المتكلّمين هي ما عرفوه بمجاهداتهم الذوقيّة.
من جملة الشواهد على وجود العالم المثاليّ ما يشاهد في النوم
وقد جعل بعض من القائلين بوجود هذا العالم المثاليّ وانتقال الروح إلى بدن مثالي بعد المفارقة عن البدن العنصريّ ، من جملة الشواهد على ذلك ما يشاهده النائم في نومه من الصور ، كما ورد في الأخبار من تشبيه حالة البرزخ وما يجري فيها بحالة الرؤيا وما يشاهد فيها ، وأنّ النوم أخو الموت.
وكان وجه هذه الشهادة ، أنّ الصورة التي يراه الانسان في منامه من صورة ذاته ، أو صورة غيره من الإنسان أو غيره إمّا أن تكون هي الصورة المحسوسة بحسّ البصر الظاهريّ المنتزعة من المحسوس العينيّ الموجود في الخارج ، فهذا باطل ، لأنّ البصر الظاهريّ معطّل في حالة النوم باتّفاق العلماء من الحكماء وغيرهم ، بل إنّ تعطّله معلوم بالضرورة ، فكيف يفعل فعلا؟ وأيضا فعلم بالضرورة أنّ تلك الصور ليست صورا محسوسة منتزعة من أعيان خارجيّة ، وإلّا لترتّب الآثار الخارجيّة المترتّبة عليها ، وليس كذلك.
وإمّا أن تكون هي صورا موجودة في الخيال أو في القوة المتخيّلة ، فهذا وإن كان ممّا قال به جمع من الحكماء ، ولا سيّما الطبيعيّين منهم ، لكنّه ممّا لا يكاد يتمّ ، لأنّه مبنيّ على تعطّل الحواس الظاهرة وعدم تعطّل الحواس الباطنة في المنام ، وهذا غير معلوم ، بل إنّ ما ذكروه في سبب تعطّل الحواس الظاهرة في المنام يجري في تعطّل الحواس الباطنة أيضا ،