يظهر بصورة إلياس في الأرض ، والله تعالى يعلم.
وقد حكى بعض الصوفية أنّ بعض مشايخهم وهو قضيب البان الموصليّ (١) كان يرى في زمان واحد في مجالس متعدّدة مشتغلا في كلّ مجلس بأمر غير ما في الآخر. وهذه الحكاية على تقدير صحّتها يمكن توجيهها بما ذكرنا.
ثمّ إنّك حيث عرفت بيان الشواهد على هذا المطلوب ، وتوجيه الأخبار الواردة في كيفيّة حال الروح بعد المفارقة عن البدن ، وكذا توجيه غير ذلك من الأخبار على القول بوجود عالم المثال.
فاعلم أنّ العمدة في مستند هذا القول هو الأخبار الدالّة عليه ، فلنتكلّم في دلالتها حتّى يتّضح لك ثبوت هذا العالم ، وكذا كيفيّة حالاته وأوصافه.
فنقول : إنّ دلالة تلك الأخبار التي نقلناها دلائل على ثبوت العالم المثاليّ ووجود البدن المثاليّ ، وإن كانت ظاهرة غنيّة عن البيان لدى التأمّل الصادق ، إلّا أنّا لا نبالي بالتنبيه عليه. فنقول : إنّ ما تضمّنه بعض تلك الأخبار من أنّ الأرواح في صفة الأجساد ، وأنّهم على صور أبدانهم ونحو ذلك ، ليس المراد به أنّ ذوات تلك الأرواح بأعيانها أجسام كثيفة أو لطيفة على صفة الأجساد وهيئتها وشكلها ، لأنّه مع عدم كونه مذهبا لأحد من المليّين والفلاسفة ، ينفيه ما مرّ من الدليل على تجرّد الروح وعلى كونها مغايرة للبدن بتمامه وأجزائه ، بل المراد كما هو صريح بعض الأخبار الأخر من تلك الأخبار أنّ تلك الأرواح ذوات أخر وراء الأجساد يصيّرها الله في قوالب وأجساد مثل قوالبها وأجسادها في الدنيا ، بحيث يكون لها نوع تعلّق بتلك الأجساد ، وهذا بظاهره وإن كان أعمّ من أن يكون ذلك التعلّق تعلّق التدبير والتصرّف ، أو التعلّق بوجه آخر من الحلول أو الدخول أو الانضمام أو نحو ذلك إلّا أنّ تشبيه تلك القوالب بالقوالب الدنيويّة يدلّ على أنّ ذلك التعلّق ليس سوى تعلّق التدبير والتصرّف ، فإنّ هذا كان لها مع القوالب الدنيويّة لا غير. مع أنّ القول بتجرّدها ـ كما هو الحقّ وعرفت الدليل عليه ـ ينفي ما سوى تعلّق التدبير
__________________
(١) راجع الأعلام للزركليّ ٤ / ٤٤ و ٥ / ١٩٩.