والتصرّف.
وحينئذ نقول : إنّ ذلك القالب الذي يصيّر الله تعالى الروح فيه بعد المفارقة ظاهر أنّه ليس عين القالب العنصريّ الذي كان للروح حين التعلّق به في النشأة الدنيويّة ، لأنّه باطل بالاتّفاق ولم يقل به أحد ، حيث إنّ المفروض بطلان ذلك القالب ومفارقة الروح عنه وإعادته بعينه ، أي بأجزائه الأصليّة ، وإن كانت ممكنة كما دلّ الدليل عليه ، إلّا أنّ تلك الإعادة إنّما تكون عند قيام الساعة لا في النشأة البرزخيّة المتوسّطة بين النشأة الدنيويّة والأخرويّة.
وأيضا التشبيه بالقالب الدنيويّ كما تضمّنته تلك الأخبار ينفي كونه عين ذلك القالب الدنيويّ ، بل يدلّ على أنّه قالب آخر مثل قالبها في الدنيا.
وظاهر أيضا أنّه ليس ذلك القالب الآخر قالبا عنصريّا جماديّا أو نباتيّا أو حيوانيّا أو إنسانيّا شبيها بقالبها في الدنيا ، لأنّ كلّ ذلك متضمّن للتناسخ الذي عرفت الدليل على بطلانه كما مرّ.
ومنه يظهر أنّه ليس قالبا جسمانيا فلكيّا أيضا ، لأنّ مفسدة التناسخ لازمة على تقديره أيضا كما يقتضيه التدبّر في دليل بطلانه. مع أنّ الجرم الفلكيّ كما تقرّر عندهم غير قابل لصيرورته قالبا لروح ما ولتشكّله أشكالا مختلفة على هيئات القوالب البدنيّة العنصريّة.
وظاهر أيضا أنّ ذلك القالب ليس شيئا من جرم فلكيّ ، أو جرم إبداعيّ غير منخرق ، أو جسم عنصريّ يكون للروح الإنسانيّ تعلّق به وراء تعلّق التدبير والتصرّف ، بل بأن يكون ذلك موضوعا لتصوّرات الروح وتخيّلاتها ، فإنّ ذلك مع كونه باطلا ـ كما مرّ
الدليل عليه ـ ينفيه ظاهر تلك الأخبار الدالّة على التشبيه بالقالب الدنيويّ ، وعلى أنّ التعلّق به تعلّق التدبير والتصرّف لا غير.
وظاهر أيضا أن ليس ذلك القالب شيئا مجرّدا عن المادّة في ذاته مطلقا وأمرا عقليّا ، لأنّ المفروض كونه قالبا للروح كقالبها في الدنيا وذا هيئة وشكل مثله ، والشيء المجرّد والأمر العقليّ لا يمكن أن يكون كذلك ؛ فحيث ظهر أنّ ذلك القالب ليس أمرا مجرّدا عقليّا