ولا قالبا جسمانيّا عنصريّا أو فلكيّا ، ظهر أنّه من عالم آخر غير العالم الحسّيّ والعقليّ متوسّط بين العالمين ، يسمّيه القائلون به عالم المثال وعالم البرزخ ، وسيجيء شرح معنى توسّطه بينهما.
ثمّ نقول : إنّ ما تضمّنه تلك الأخبار ، من أنّ الأرواح في صفة الأجساد ، وأنّهم على صور أبدانهم ، وأنّ الروح يصيّر في قالب كقالبه في الدنيا ، حيث يدلّ على أنّ القالب المثاليّ البرزخيّ مثل القالب الدنيويّ في الصفة والصورة ، لا ينافيه ما تضمّنه بعض الأخبار التي قدّمنا ذكرها آنفا ، من أنّ الميّت يجيء لزيارة أهله بصورة طائر لطيف ، ويجلس على جدار أهله وينظر إلى أحوالهم ، فإنّه يمكن أن يكون المراد به ـ والله أعلم ـ أنّ القالب الذي أعدّه الله تعالى للأرواح وصيّرها فيه في الأصل ، إنّما هو قالب كقالبه في الدنيا في الصورة والصفة ، إلّا أنّ ذلك القالب لمّا كان قالبا مثاليّا متوسّطا بين العالمين قابلا للتشكّل بالأشكال المختلفة ، ومن جملتها شكل الطائر وصورته ، فربّما يجيء بحسب مصلحة من المصالح وبحسب مرتبته ومنزلته في صورة طائر لطيف.
ومنه يظهر أن لا منافاة بين ذلك الخبر ، وخبر يونس بن ظبيان (١) ، عن الصادق عليهالسلام المتضمّن لقوله عليهالسلام : «سبحان الله ، المؤمن أكرم على الله من ذلك أن يجعل روحه في حوصلة طائر أخضر» ، لأنّ القائلين بجعله في حوصلة طائر أخضر ، لعلّهم قالوا بذلك زعما منهم أنّ الأصل فيما أعدّه الله تعالى للأرواح هو حواصل الطيور الخضر ، لا القوالب التي هي أمثال قوالبهم في الدنيا ، فردّه عليهالسلام لذلك ، ولأنّ فيه توهّم التناسخ المحال ، وهذا لا ينافي جواز تشكّلهم بعد تعلّقهم بقوالبهم المثاليّة التي هي مثل قوالبهم في الدنيا بصورة طائر أخضر مثلا.
وكذلك لا ينافيه ما تضمّنه بعض الأخبار التي قدّمنا ذكرها في صدر الرسالة : أنّ الأرواح في حجرات ، فإنّه يمكن أن يكون المراد به ـ والله اعلم ـ أنّهم مع تعلّقهم بتلك القوالب المثاليّة يكونون في حجرات ، أي مثاليّة برزخيّة.
__________________
(١) تهذيب الأحكام ١ / ٤٦٦ (في أحكام الأموات).