ثمّ إنّ الأخبار الواردة في ذلك كما تدلّ على وجود الأبدان المثاليّة لأرواح المؤمنين ، كالأخبار التي نقلناها هاهنا ، كذلك تدلّ على وجودها لأرواح الكافرين المستضعفين والأطفال ، سواء كانوا أطفال المؤمنين أو أطفال الكفّار ، كما يظهر ذلك على من تصفّح الأخبار ، وقد نقلنا جملة منها في صدر الرسالة ، فتذكّر.
وبالجملة ، فمدلول الأخبار وجود البدن المثالي لكلّ روح انسانيّ من الأرواح بعد مفارقته عن البدن.
ثمّ إنّ ما دلّ من تلك الأخبار على أنّ أرواح المؤمنين في شجرة من الجنّة ، أو في الجنّة ، لعلّ المراد به ـ والله أعلم ـ الجنّة المثاليّة والشجرة المثاليّة ، لا أصل الجنّة الموعودة وشجرتها ، كما سنوضّح ذلك فيما بعد إن شاء الله تعالى.
كما أنّ ما دلّ منها على أنّ أرواح المؤمنين في بستان في المغرب في شاطئ الفرات يأكلون من ثماره ، وأرواح الكفّار في نار في المشرق أحرّ من نار الدنيا ، وهم فيها يأكلون من زقّومها ويشربون من حميمها ، لعلّ المراد بتلك الثمار في ذلك البستان الثمار المثاليّة ، والبستان المثاليّ ، وبتلك النار النار المثاليّة وكذا الزقّوم والحميم.
ولا منافاة بين ما دلّ على أنّ أرواح المؤمنين في الجنّة أو في شجرة من الجنّة ، وما دلّ على أنّ أرواحهم في وادي السلام ، أي ظهر الكوفة يعني النجف الأشرف ، الذي هو وادي السلامة ، وورد في بعض الأخبار أنّه بقعة من جنّة عدن ، وما دلّ على أنّهم في بستان في جانب المغرب على شاطئ الفرات ، لأنّه يمكن أن يكون كلّ تلك الأمكنة مساكن لهم ، فيكونون تارة في هذا وتارة في ذاك ، وتارة في ذلك ، حيث لا مانع منه ، وخصوصا في الأبدان المثاليّة.
مع أنّه يمكن حمل بعض تلك الأماكن على بعض بحيث يؤول إلى أمر واحد ، فتدبّر.
كما أنّه لا منافاة بين ما دلّ على أنّ أرواح الكفّار في نار في المشرق ، وبين ما دلّ على أنّهم في وادي برهوت ، وهو واد في اليمن ، لما ذكرنا من الوجه أيضا ، والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
ثمّ إنّك حيث عرفت ما ذكرنا ، فاعلم أنّ تلك الأخبار الواردة الدالّة على وجود أصل