تلك القوالب المثاليّة ، مع دلالتها على ذلك ، تدلّ أيضا على أحوالها وصفاتها وكيفيّاتها ، وأنّها ممّا ينتفي عنها بعض لوازم الجسميّة ، ويثبت لها بعض لوازمها الأخر ، وأنّ اللوازم المثبتة ما ذا؟ والمنفيّة ما هي؟ ويستفاد منها معنى كون العالم المثاليّ متوسّطا بين العالمين ليس في كثافة الماديّات ولا في لطافة المجرّدات.
وبيان ذلك أنّ ما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ الأرواح في النشأة البرزخيّة على صفة الأجساد ، وأنّهم على صور أبدانهم ، وأنّهم في قوالب مثل قوالبهم الدنيويّة ، يدلّ على أنّ القالب المثاليّ ثابت له الشكل والهيئة والصورة والوضع وأمثال ذلك ممّا هو كان ثابتا للبدن العنصريّ مشابها له ، وكلّها من لوازم الجسميّة ، وهذا ظاهر.
بل إنّه ربّما يشعر ذلك من جهة إشعاره بأنّ لكلّ روح قالبا مثاليّا مناسبا له في الصفات كما في النشأة الدنيويّة ، بأنّ تلك القوالب المثاليّة بعضها نورانيّة كما للسعداء ، وبعضها ظلمانيّة كما للأشقياء ، وهذا موافق لما ذكره القائلون بوجود هذا العالم من الحكماء أيضا حيث قالوا : بأنّ الأشباح الموجودة في هذا العالم ذوات أوضاع مقداريّة ، منها ظلمانيّة يتعذّب بها الأشقياء ، وهي صور زرق مكروهة يتألّم النفوس بمشاهدتها ، ومنها مستنيرة يتنعّم بها السعداء ، وهي صور حسنة بهيّة بيض كأمثال اللؤلؤ المكنون ، وما ذكروه يعمّ الأشباح الموجودة في ذلك العالم مطلقا ، سواء كانت أشباحا هي قوالب الأرواح ، أو أشباحا أخر هي صور الأعمال قرينة للأرواح. وقد دلّ عليه ما نقله الشيخ البهائيّ (ره) عنهم أيضا كما نقلناه سابقا ، ولا امتناع في أن يكون لها مقدار ووضع وشكل مع عدم ثبوت جسميّة لها ، ولذلك يتمثّلون في ذلك بالصور المرئيّة في المرآة ، ويقولون أنّها كوّة مفتوحة إلى عالم المثال.
وكذلك ما تضمّنته تلك الأخبار من أنّ الأرواح في ضمن تلك القوالب المثاليّة البرزخيّة يجلسون حلقا حلقا على صور أبدانهم العنصريّة الدنيويّة ويتحدّثون ويتنعّمون بالأكل والشرب ، وأنّهم ربّما يكونون في الهواء بين الأرض والسماء يتعارفون في الجوّ ويتلاقون ، وأنّهم ربّما يجيئون لزيارة أهلهم ويذهبون وينظرون إلى أحوال أهلهم ، فربّما يفرحون ويسرّون ، وربّما يكرهون ويغتمّون ، وأنّهم إن رأوا عملا صالحا منهم شكروا ، وإن