فرد من أفراد النّفوس الإنسانيّة ، وعن أيّة طائفة تفرض ، وعن مجموع تلك النّفوس ، وكذا أن يكون الحدّ الثاني مقولا في جواب السؤال بما هو عن كلّ فرد من أفراد الإنسان ، وعن كلّ طائفة ، وعن المجموع ؛ وذلك أمارة أنّ ذينك الحدّين حدّان نوعيّان ، وأنّ الأفراد الداخلة تحتهما متّفقة بحسب النّوع ، مختلفة بحسب العوارض. وعلى هذا فمنع كون الحدّ هنا حدّا نوعيّا واحتمال كونه حدّا جنسيّا ـ كما ذكره بعضهم ـ كأنّه مكابرة ينبغي أن لا يرتكبه ذو حدس صائب.
ثمّ إنّه من جملة المنبّهات على هذا المطلب ، بل من أعظمها ، أنّه لو كانت النّفوس الإنسانيّة مختلفة في النّوع والحقيقة ، لجاز أن يصدر عن بعضها من الأفعال ما لا يمكن أن يصدر عن بعض آخر مخالف له في الحقيقة ، بحيث يعدّ عنده خارقا للعادة. وحينئذ يلزم إفحام الأنبياء عليهالسلام فيما يدّعونه من النّبوّة ، ويظهرونه من المعجزة ، لأنّ للرعيّة أن يقولوا إنّ نفوس الأنبياء عليهالسلام يمكن أن تكون مخالفة بالحقيقة لنفوسنا ، ويجوز أن يصدر عن نفوسهم عليهالسلام ما يعجز عنه نفوسنا.
وحينئذ فلا يظهر أنّ ما يصدر عنهم عليهالسلام معجزات صادرات من عند الله تعالى دلائل على صدقهم في نبوّتهم ، فيلزم إفحامهم عليهالسلام ، وإنّما يكون ما يظهرونه عليهالسلام معجزة لو كانت نفوسهم عليهالسلام متّفقة بحسب الحقيقة لنفوس الرعيّة ، إذ حينئذ يظهر كون ما يجري على أيديهم عليهالسلام معجزات خوارق للعادة ، حيث إنّ النفوس كلّها إذا كانت متّفقة بحسب الحقيقة والذّات ، وصدر عن بعضها ما يعجز عنه الآخر كان ذلك معجزة ؛ وهذا أيضا ظاهر عند أولي الألباب.
وبالجملة ، هذا المذهب الذي ذهب إليه الشيخ من كون أفراد النّفوس الإنسانيّة متّفقة في المعنى والنّوع هو المذهب الذي دلّ عليه الدليل ، واختاره المحقّقون ، وهو المنسوب إلى جمع كثير من الحكماء كأرسطو وأتباعه ، حيث إنّ المنقول عنهم أيضا أنّ النّفوس البشريّة متّحدة بالنوع ، وإنّما تختلف بالصّفات والملكات واختلاف الأمزجة والأدوات.
وقد ذهب بعضهم ـ كالإمام الرازيّ ـ إلى أنّها مختلفة بالماهيّة ، بمعنى أنّها جنس تحته أنواع مختلفة تحت كلّ نوع أفراد متّحدة بالماهيّة.