التحقيق.
وهذا على تقدير تسليم كون البدن المثاليّ مغايرا بالذات وبالوجود للبدن العنصريّ ، وأمّا على تقدير كونه ظلّا وشبحا للبدن العنصريّ كما هو التحقيق ، وموجودا بوجوده بالعرض ، سواء قلنا بحدوثه بحدوث البدن العنصريّ ، مقارنا له كما دلّت عليه كثير من الشواهد المتقدّمة ، وبوجوده بالعرض بوجود البدن العنصريّ ، أو قلنا بحدوثه بعد خراب البدن ، وكون وجوده بالعرض بوجود الأجزاء الأصليّة من البدن الأصليّ وظلّا وشبحا لها ، فلا يرد السؤال قطعا ، لأنّ اللازم على هذا التقدير حدوث البدن المثاليّ بحدوث البدن العنصريّ المسبوق بالمادة أو بعده بتبعيّته ، وكذا وجوده بالعرض بوجود البدن الأصليّ أو الأجزاء الأصليّة منه بالذات ، ولا محذور فيه.
وهذا كما يقولون : إنّ لوازم الماهيّات غير مجعولة بجعل على حدة ، بل إنّ هناك جعلا واحدا يتعلّق بالذات بالماهيّة وبالعرض بلازمها ، وإنّهما موجودان بوجود واحد حاصل للماهيّة بالذات وللازمها بالعرض.
وبوجه آخر ، أنّ ذلك الذي ذكرت ، إنّما هو على تقدير القول بحدوث المثاليّ بعد مفارقة النفس عن البدن العنصريّ ، وذلك ليس بثابت ، بل إنّ بعض الشواهد التي ذكرناها شاهدة على وجود البدن المثاليّ ربّما تشهد بأنّ البدن المثاليّ كان حاصلا للنفس حين تعلّقها بالبدن العنصريّ أيضا.
ويمكن حمل الأخبار الأخر عليه أيضا كما أشرنا إليه.
وعلى هذا ، فلا يرد ما ذكرت أصلا ، بل إنّه على تقديره يكون عدم ورود مفسدة التناسخ أظهر ، لأنّ ذلك البدن المثاليّ حيث كان موجودا للنفس قبل المفارقة أيضا ، كان بدنا أصليا لها كالبدن العنصريّ ، إلّا أنّه كان أوّلا معه مقارنا له بهيئته ، وثانيا منفردا عنه مقارنا للأجزاء الأصليّة منه ، والبدن الأصليّ للنفس لا يكون فيه استعداد لنفس أخرى غيرها ، حتّى يلزم جواز اجتماع نفسين في بدن واحد ، وكذلك لا تصير النفس المتعلّقة به بالقوّة من جهة كمالاتها ، حتّى يلزم انقلاب ما بالفعل إلى ما بالقوة ، بل تكون بالفعل في كمالاتها كما كانت أوّلا ، وكذلك لا يلزم تعلّق نفس واحدة ببدنين منفصلين متغايرين