التناسخ ، حتّى يجاب بأنّ الشرع جوّز هذا النحو من التناسخ ومنع غيره ، بل الإشكال إنّما هو لزوم المحذور اللازم للتناسخ ، كما ذكروه في بيان استحالته من استيجاب كون بدن واحد ذا نفسين ، وكون نفس واحدة ذات بدنين منفصلين متغايرين بالذات ، أو انقلاب الفعليّة قوّة ، وهذا لازم في الظاهر على تقدير الانتقال إلى البدن المثاليّ أيضا كما في صورة الانتقال إلى البدن الجسمانيّ ، فينبغي دفع لزوم هذا اللازم فيما نحن فيه.
وأيضا فما تضمّنه كلامه الشيخ البهائيّ (ره) من عود الأرواح عند قيام القيامة الكبرى إلى أبدانها الأوّليّة بإذن مبدعها ، إمّا بجمع أجزائها المتشتّتة ، أو بإيجادها من كتم العدم يشعر بتجويزه إعادة المعدوم ، وقد عرفت امتناعها عقلا.
وأيضا ، فما تضمّنه كلامه من أنّه ليس إنكارنا على التناسخيّة حكمنا بتكفيرهم بمجرّد قولهم بانتقال الروح من بدن إلى بدن آخر ، فإنّ المعاد الجسمانيّ كذلك عند كثير من أهل الإسلام ، بل بقولهم بقدم النفوس وتردّدها في أجسام هذا العالم وإنكارهم المعاد الجسمانيّ في النشأة الأخرويّة محلّ تأمّل ، لأنّ بطلان التناسخ إذا انعقد إجماع المسلمين عليه ، وكان ضروريّا في الدين ، ينبغي الحكم بكفرهم بمجرّد ذلك مطلقا. سواء قالوا بقدم النفس أم قالوا به ، وإن كان القول بقدم النفس وإنكار المعاد الجسمانيّ منشئا للحكم بكفرهم أيضا لو كانوا قائلين بذلك ومنكرين لذاك ، وليس يظهر أنّ ما انعقد الإجماع على بطلانه ـ وبطلانه ضروريّ في الدين ـ هو القول بالتناسخ بالمعنى المتنازع فيه ، الذي كان مع القول بقدم النفوس ومع الإنكار للمعاد الجسمانيّ ، بل الظاهر إنّه القول بهذا التناسخ مطلقا.
كما أنّه ليس يظهر من الشرع أنّ المعاد الجسمانيّ هو عود الروح إلى بدن آخر غير الأوّل مطلقا ، كما أسند هو القول به إلى كثير من أهل الإسلام ، بل الظاهر من الشرع وكذا من كلمات أكثر أهل الإسلام كما هو التحقيق ، وسيأتي إن شاء الله تعالى بيانه ، هو عود الروح الباقي بذاته إلى البدن الأوّل بعينه من جهة أجزائه الأصليّة الباقية ، وإن كان مغايرا للبدن الأوّل من جهة الأجزاء الفضليّة ، وأنّ المعاد يوم القيامة هو ذلك الشخص بعينه نفسا وبدنا ، والله أعلم بالصواب.