المناسبة ، ثمّ إنّه تعالى يظهر الصور البرزخيّة في عالم البرزخ ، والصور الأخرويّة في عالم الآخرة على صاحب ذلك العمل وتلك الصفة ، بحيث يشاهدها ويدركها ويعلم أنّها كانت جزاء عمله. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
والوجه الثّاني : أن يراد أنّ نفس تلك الأعمال وعين تلك الصّفات والملكات تتجسّم وتتصوّر صورة جسمانيّة مثاليّة برزخيّة في عالم البرزخ ، وصورة أخرويّة في عالم الآخرة ، وأنّ أعمال الخير يتولّد منها الجنان والحور والولدان والقصور والدور وأنواع المسرّات الحسّيّة واللذّات البدنيّة ، وأن أعمال الشرّ يتولّد منها النيران والأغلال والحميم والزقّوم وأنواع الآلام الحسّيّة والغموم البدنيّة ، فتكون تلك الأجسام والصور المتولّدة مصاحبة للنّفوس الّتي اكتسبتها ، وقرينة للأرواح التي حصلت هي لها ، موجبة لسعادتها أو شقاوتها ، لا أن يكون هناك صورة أخرى مناسبة لتلك الصفات والأعمال كما في الوجه الأوّل ، بل إنّ تلك الأعمال والصفات تتجسّم وتتصوّر صورة برزخية وأخرويّة بعد صدورها عن فاعلها ، وفي النشأة الدنيويّة أيضا ، لكنّها لا تظهر على فاعلها والموصوف بها في هذا العالم الحسّيّ ، لكونه محجوب البصيرة عن إدراكها لانغماسه في الحجب البدنيّة ، وانغماره في الأحوال الطبيعيّة ، وإنّما تظهر المثاليّة من تلك الصور عليه في عالم البرزخ ، والأخرويّة منها في عالم الآخرة.
وهذا الوجه هو ظاهر تلك الآيات والأخبار الدالّة على التجسّم ، فإنّ الأصل هو الحقيقة وعدم المصير إلى المجاز ، وهو الذي ذهب إليه كثير من العلماء.
وتوجيه هذا الوجه ، كما يظهر من كثير من القائلين به من أهل التحقيق أنّ أحكام النشئات الثلاث الحسّيّة والمثاليّة والعقليّة مختلفة ، فيجوز أن تظهر الأعمال والصفات في النشأة الدنيويّة بصورة العمل والصّفة ، وفي عالم البرزخ بصورة الأجسام المثاليّة ، وفي عالم الآخرة بصورة الأجسام الأخرويّة ، كما جاز أن يكون الحقيقة الكلّيّة تظهر في الصور المختلفة ، وتتداول عليها أحكامها باعتبار ظهورها في تلك الصور المتلبّسة بها ، بحيث يكون تلك الصور مظاهر لتلك الحقيقة في مواطن تظهر لتلك الحقيقة ، في كلّ موطن من تلك المواطن أحكام خاصّة وأفعال خاصة ، وأحوال خاصة ، بواسطة ظهورها