في تلك المواطن بواسطة تلك الصور على حسب اختلافها في تنزّلاتها من العالم العقليّ إلى النّفسيّ إلى غير ذلك من مواطنها المتعدّدة ، باعتبار مراتب المعاينة الحاصلة عند النفس.
مثل أنّ الحقيقة الإنسانيّة مثلا تظهر في العالم الحسّيّ على النفس ، وعلى البصر بالصور المعيّنة المكتنفة بالعوارض المادّيّة بشرط حضور المادة ، وملازمة وضع معيّن من محاذاة وقرب وعدم حجاب إلى غير ذلك ، وهي بعينها تظهر في العالم النفسيّ في الخيال بصورة خياليّة تشابهها من غير تلك الشرائط ، وهي في الحالتين تقبل التكثير بحسب الأشخاص ، كصورة زيد وعمرو وبكر.
ثمّ تظهر تلك الحقيقة في العالم العقليّ في العقل بصورة عقليّة بحيث لا تقبل ذلك التّكثير ، ويصير الأفراد المتكثّرة في الصّورة المبصرة والمتخيّلة متّحدة في الصّورة العقليّة ، ثمّ إنّ الصورة العقليّة متفاوتة في قبول التكثّر ، فإنّ صورة الأنواع من حيث خصوص نوعيّتها متكثّرة ، وهي من حيث صورة جنسها واحدة ، وهكذا إلى جنس الأجناس ، فيتّحد في صورته جميع الأنواع ، لكن يمتاز عن جنس آخر يقابله. وإذا اعتبرت من المفهومات ما يشمل جميع الحقائق والاعتبارات اتّحد الكلّ في صورته ، كالشيء والممكن العامّ مثلا. ومثل أنّ المختلفين في الصورة في موطن قد يتّحدان فيها في موطن آخر ، وقد يتعاكسان. أعني أنّه يظهر أحدهما في موطن بصورة خاصّة والآخر بصورة أخرى في موطن ، ويظهر أنّ في موطن على عكس ذلك كالفرح والبكاء الظاهرين في اليقظة بصورة وفي الرؤيا على العكس.
ومثل أنّه يمكن أن يكون لصورة خاصّة واحدة آثار مختلفة في مواطن مختلفة ، كما أنّ صورة الجسم الرطب مثلا ـ كالماء ـ متى فعلت في جسم قابل للرطوبة قبلها فصار رطبا مثله ، ومتى فعلت في مادّة أخرى كالقوّة الحسّيّة أو الخياليّة ، وانفعلت عن الرطوبة لم تقبل مثالها ولم تصر رطبا مثله ، بل قبلت مثالها ، فلها أثر في النشأة الأخرى غير أثرها في النشأة الأولى. وكذا إذا حصلت تلك الرطوبة في العقل كان ذلك ظهورا آخر وراء الأوّلين ، وكانت الصورة صورة أخرى هي الصورة العقليّة الكلّيّة.