كما دلّت عليه هذه الآيات والأخبار ، ولا منافاة بينهما أيضا كما لا يخفى.
إلّا أنّ هاهنا شبهة يختلف تقريرها على مذهب الحكماء والمتكلّمين ، وكذا يختلف جوابها على الوجهين ، وكذا على المذهبين ، بل على مذهبي الأشاعرة والمعتزلة من المتكلّمين ، فحريّ بنا أن نتكلّم في ذلك.
[في الجبر والاختيار]
فنقول : إنّ تقرير تلك الشّبهة إمّا على مذهب الحكماء ، فبأن يقال : إن كانت الأفعال الإنسانيّة صادرة عنه على سبيل الوجوب ، لتمثّلها مع سائر الجزئيّات في العالم العقليّ ، ولوجوب حدوث ما يحدث منها في هذا العالم مطابقا لما تمثّل هناك كما هو رأي الحكماء ، فلم يعاقب الإنسان على شيء صدر عنه على سبيل الوجوب؟
لا يقال : وجوب صدور الفعل عن العبد ، مع القول بأنّه قادر مختار ، على ما يقوله الحكماء أيضا لا يجتمعان ، لأنّه حينئذ يمتنع الترك ، فيمتنع ملزوم الترك ، وهو مشيّة الترك في تحديد القدرة ، إن شاء ترك فلا قدرة أصلا.
لانّا نقول : الملازمة التي ادّعيت في تحديد القدرة إن شاء ترك ، إنّما تثبت بين الممتنعين ، مع أنّ الامتناع ليس بالذات ، بل إنّ مشيّة الترك ممكنة بالنّسبة إلى العبد ، واستمرار عدم الممكن لا ينافي إمكانه.
فمحصّل الشبهة أنّ الأفعال الصادرة من العبد إن وجب أن تكون مطابقة للعالم العقليّ ـ وهذا هو القدر كما يقوله الحكماء ـ فلم يعاقب العبد على ذلك؟
وهذا أحد وجهي تقرير الشبهة على مذهبهم.
وبوجه آخر : أنّ الله خير محض بالذات ، والعقوبة شرّ محض ، فكيف صدرت من الله تعالى؟
وإمّا على مذهب المتكلّمين ، فبأن يقال ـ كما قالت المرجئة منهم ـ : إنّه يجب أن لا يكون عقاب أصلا ، لأنّه لا فائدة فيه ، لأنّها إن كانت عائدة إلى الله تعالى فذلك محال ، أو