إلى العبد فذلك أيضا باطل ، لأنّ الضرر المحض لا فائدة فيه ، وما لا فائدة فيه يكون قبيحا لكونه خاليا عن وجوه المصلحة.
وأمّا الجواب عن هذه الشّبهة ، فهو على تقدير القول بتجسيم الأعمال واضح على كلّ مذهب من المذاهب ، لأنّه لا عقاب حينئذ من خارج ، حتّى يسأل عن وجهه كما هو مدار الشبهة. بل العقاب الجسمانيّ الوارد على بدن المسيء إنّما يرد عليه من داخل ذاته ، وهو لازم أعماله السيّئة ، بل إنّ نفس تلك الأعمال تصوّرت بصورة العقاب.
والحاصل أنّ العقاب الجسمانيّ للنفس على خطيئتها هو كالمرض للبدن ، فهو لازم من لوازم ما ساق إليه الأحوال الماضية التي لم يكن بدّ من وقوعها ، ولا من وقوع ما يتبعها. وكما أنّ الإنسان لمّا احتاج إلى تناول الغذاء ويبقي عند كلّ هضم لطخة من فضلات الهضوم يجتمع في بدنه منها مادّة كثيرة مستعدّة لتصوّرها بصور الأمراض ، خصوصا إذا قصّر في الاحتياط ، وفي تناول الغذاء المناسب له ، وأدّت شهوته البهيميّة إلى تناول الغذاء الغير المناسب ، حتّى إذا أثّرت فيها الحرارة الغريبة ، اشتعلت تلك المادّة وتصوّرت بصورة العلّة والمرض وحدثت الحمّى ، وإذا انصبّت إلى عضو ورم ذلك العضو ، إلى غير ذلك من الحالات الرديّة الموذية.
وبالجملة ، إذا ساقت إليه قوّته البهيميّة أو صابا وأسقاما مؤلمة ، كذلك حال العقاب الجسمانيّ الوارد عليه من داخل ، فإنّه إذا فعل أفعالا رديّة ، ينتقش في نفسه بحسب كلّ فعل ملكة رديّة ، ويجتمع على مرّ الأيّام ملكات متعدّدة متصوّرة بصورة المؤلمات والمؤذيات الجسمانيّة ، مصاحبة معها غير مفارقة عنها ، إلّا أنّها ما دامت متعلّقة بالبدن كأنّها ذاهلة عنها ، حتّى إذا فارقت البدن أدركتها وشاهدتها وشعرت بها وتأذّت منها وتألّمت لها ألما جسمانيّا.
لا يقال : إذا كان العقاب الجسمانيّ من لوازم الأعمال أو نفسها ، يجب أن يكون دائما بدوام صورة ذلك العمل والهيئة المنتقشة في النفس ، الباقية ببقائها ، فما وجه انقطاعه بالنسبة إلى بعضهم كما نطق به الشّرع؟
لأنّا نقول : قد عرفت فيما سبق أنّ بعضا من تلك الهيئات المنتقشة في النفس يمكن