اختيارهم ، إذ العلم الأزليّ ليس علّة لوجود المعلوم ، بل هو تابع له كما عرفت.
وأمّا الجواب عن الشبهة على رأي الأشاعرة ، فبأن يقال : إنّهم لمّا ذهبوا إلى أنّ جميع الحوادث بل جميع الموجودات الممكنة من الله تعالى وهو سبب الكلّ. فإن قيل : فلم العقاب؟ قالوا : إن كان المراد الغرض من العقاب فلا غرض ، وإن كان المراد السّبب ، فهو الله تعالى ولا يسأل عمّا يفعل.
وهذا الذي ذكرناه في تقرير هذه الشبهة وجوابها إنّما هو نبذ ممّا ذكروه في هذا المقام ، وتفصيل المقام يقتضي بسطا في الكلام ليس هنا محلّه ، وحيث كان هذا الذي ذكرناه كلاما وقع في البين بالتقريب ، فلنرجع إلى ما كنّا نحن بصدده.
[الثواب والعقاب في البرزخ]
فنقول : إنّك بعد ما أحطت خبرا بما فصّلناه وبيّناه ، تلخّص لك أنّ حال النفس الإنسانيّة بعد مفارقتها عن البدن العنصريّ أنّها تكون في ضمن بدن مثاليّ ، وتكون لها في ضمنه سعادة وشقاوة حسّيّتان كما دلّ عليه الشرع الشريف وفصّل ذلك فيه ، ويؤيّده العقل أيضا ، مضافا إلى السعادة والشقاوة العقليّتين اللتين هما لها بالقياس إلى ذاتها كما دلّ عليه العقل ولم ينكره الشرع. وأنّ كلّ ما يرد عليها من اللذّات والآلام الحسّيّتين بعد المفارقة عن البدن إلى قيام الساعة هو من جنس عالم المثال ، حتّى أنّ ظهور الملكين الكريمين اللذين يسألانها في القبر تارة بصورة حسنة ، وتارة بصورة مهيبة منكرة ، يمكن أن يكون بظهورهما كذلك في ضمن القالب المثاليّ ، سواء قيل بكون الملائكة ذواتا مجرّدة عقليّة كما هو رأي كثير من الحكماء ، أو بكونهم أجساما نورانيّة ذوات نفوس مجرّدة شريفة كما هو ظاهر الشرع الشّريف ، فإنّه على التقديرين ، لا امتناع عقلا ولا شرعا في أن يكون لهم مظاهر جسمانيّة مثاليّة يظهرون فيها بصور مختلفة. والله تعالى يعلم.
نعم ، قد دلّ الشّرع على أنّ بعض الأحوال الواردة على النفس من الأمور الحسّيّة ، كضغطة القبر بل السؤال والجواب ، تكون للنفس في ضمن البدن الأوّل العنصريّ ، كما دلّت