عليه أخبار كثيرة ، ويدلّ عليه بعض الآيات أيضا ، كقوله تعالى حكاية : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (١) وقد قال كثير من المفسّرين : إن إحدى الحياتين ليست إلّا في القبر ، وكذا إحدى الموتتين.
وبالجملة ، فلا امتناع فيه أيضا ، إذ لا امتناع في أن يعيد الله تعالى بحكمته المتعالية تعلّق النفس بالبدن الأوّل نوعا من التعلّق يسمّى إحياء ، ثمّ يقع عليها الضغطة والمساءلة في ضمن ذلك البدن الأوّل ، ثمّ ينتفي ذلك التعلّق المعاد ، بحيث يسمّى إماتة ، سواء كان البدن الأوّل باقيا بعينه ، وكان في القبر أي في داخل الارض ، وكانت الضغطة والمسائلة في القبر ، أو كان البدن الأوّل في خارج الأرض ، سواء كان في سطحها أو في الهواء كما في المصلوب ، إذ لا امتناع في الإحياء بقدر المساءلة ولا في الضغطة ، فإنّ ربّ الهواء هو ربّ الأرض ، ولا امتناع في أن يوحي الله تعالى إلى الهواء فيضغطه ، كما ورد في الحديث. وسواء لم يكن البدن الأوّل باقيا بهيئته وصورته بل تفرّقت أجزاؤه ، كأن أكله السّباع والطيور وتشتّت أجزاؤه في بطونها وحواصلها ، أو أن أحرق فصار رمادا ، أو ذرّي في الرياح العاصفة شمالا وجنوبا وقبولا ودبورا ، فإنّه لا امتناع في إعادة الروح إلى تلك الأجزاء المتفرّقة ، أو إلى الأجزاء الأصليّة من البدن بعد جمعها وتأليفها وإن لم نشاهد ذلك ، وفي إحيائه مرّة أخرى للمساءلة والضغطة فيقع ، المساءلة وكذا الضغطة فيما كان جمع الأجزاء هنالك ، ثمّ ينتفي ذلك التعلّق بحيث يسمّى إماتة ، سواء تفرّقت الأجزاء بعد ذلك كما كانت أوّلا أو لم تتفرّق ، وإن لم نكن نشاهد شيئا من ذلك ولا نعلمه.
والقول بأنّ المصلوب مثلا لو أحيي لكنّا نشاهد حياته وليس كذلك ، مجرّد استبعاد ، فإنّ عدم مشاهدة الحياة ليس دليلا على عدمها كما في صاحب السّكتة ، حيث إنّا لا نشاهد حياته مع أنّه حيّ.
كالقول بأن إحياء من تفرّقت أجزاؤه في بطون السّباع وحواصل الطيور ، بل أحرق وذرّي في الرياح خلاف ما يقتضيه ضرورة العقل ، بأنّه أيضا مجرّد استبعاد ، حيث إنّه
__________________
(١) غافر (٤٠) : ١١.