دليلا واضحا وبرهانا لائحا على هذا المطلب الأقصى بأجزائها الثّلاثة ، ويتّضح ذلك عنده كلّ الاتّضاح. وإن شئت انكشاف جليّة الحال ، فاستمع لما نتلو عليك من المقال ، فنقول:
بيان الأمر الأوّل من تلك الأمور الثلاثة
أمّا بيان الأمر الأوّل من هذه الأمور الثلاثة ، فيتّضح بعد الإحاطة بما قدّمناه في الأبواب المتقدّمة ، أنّ النّفس الإنسانيّة بدنيّة تحتاج في أفعالها وإدراكاتها إلى بدن تتصرّف هي فيه ، ويكون هو آلة لأفعالها وإدراكاتها ، وأنّه لا يجوز أن تتعلّق بجسم فلكيّ أو عنصريّ أو نوع آخر ، يكون ذلك الجسم موضوعا لإدراكاتها من غير أن تكون هي متصرّفة فيه مدبّرة له ، فإنّه بعد الإحاطة بذلك مع الإحاطة بأنّ ذلك البدن المتعلّقة هي به تعلّق التدبير والتصرّف لا يمكن أن يكون جوهرا مجرّدا عن المادّة ، لامتناع كونه بدنا لجوهر نفسانيّ ، ولا أن يكون بدنا مثاليّا ، لأنّه إنّما يكون في عالم البرزخ خاصّة ، كما قال به جميع العقلاء وحكم به عقولهم ، وإن كان النصّ الوارد مؤيّدا لحكم عقلهم ، وعالم الآخرة غير عالم البرزخ باتّفاق الكلّ ، ولا أن يكون جسما فلكيّا أو جوهرا ، إبداعيّا غير منخرق لإبائهما عن كونهما بدنا لنفس إنسانيّة ، حيث إنّ ذلك موقوف على قبول طبيعتهما للتجزّي والانفصال والتغيّرات العارضة ، وقبول التصرّفات والتدبيرات التي للنفس بالقياس إلى البدن العنصريّ ، وظاهر أن ليس ذلك للطبيعة الفلكيّة ، ولا لذلك الجرم الإبداعي الغير المنخرق مع بقاء صورتهما ، وإن كان تبدّل صورتهما وبطلانها أمرا ممكنا ، كما قال تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ). (١)
وبالجملة ، فبعد الإحاطة بما ذكرنا ، يتّضح لك أنّه يجب أن يكون عود الروح في القيامة الكبرى إلى بدن عنصريّ كما نطق به الشّرع ، هذا مع أنّ ما سنبيّنه في بيان الأمر الثالث من الأمور الثلاثة ، من أنّه يجب أن يكون عود الروح في القيامة الكبرى إلى البدن الأوّل بعينه يثبت هذا المطلب مع شيء زائد والتعويل عليه ، وإنّما ذكرنا ما ذكرنا هنا لزيادة
__________________
(١) الأنبياء (٢١) : ١٠٤.