يكون لبقاء الأجزاء الأصليّة من بدنه وتشخّصها مدخل في ذلك.
لأنّا نقول : هذا مبنيّ على أن يكون الشخص الإنسانيّ عبارة عن نفسه فقط ، ويكون البدن آلة لها لا دخل له في كون الشخص الإنسانيّ شخصا وهذا باطل ، لأنّا نعلم يقينا أنّ الشخص الإنسانيّ عبارة عن مجموع النفس والبدن والمركّب منهما ، وبعبارة أخرى أنّا نعلم يقينا أنّه عبارة عن النفس الخاصّة المختصّة ببدن مخصوص ، أو عبارة عن بدن مخصوص مختصّ بنفس خاصّة.
وبالجملة فليس الشخص الإنسانيّ عبارة عن نفسه فقط كما يراه بعض الحكماء ، ولا عبارة عن الهيكل المخصوص البدنيّ فقط كما يراه جمع من العوام ، أو لست سمعت القوم أنّهم يقولون في تحديد الإنسان إنّه حيوان ناطق ، أو لست تحقّقت فيما نقلنا في الفصل (١) الأوّل الذي عقدناه في تحديد النفس عن الشيخ في «الشفاء» ، أنّ النفس جزء من قوام الإنسان صورة له أو كالصورة ، وأنّ الحيوان الذي هو جنس له ، كيف يكون جنسا له باعتبار ، ومادّة باعتبار آخر ، ونوعا باعتبار آخر ، وأنّ الناطق الذي هو فصل له كيف يكون فصلا له باعتبار ، وصورة ونفسا له باعتبار آخر ، ونوعا باعتبار ، وأنّه كيف يكون البدن المخصوص كالمادّة والنفس المخصوصة كالصورة ، وأنّه كيف يكون الشخص الإنسانيّ كالمركّب من المادّة والصورة ، أي المركّب من البدن والنفس.
وقد علمت في موضعه أنّه كما أنّ تشخّص المادّة بالصورة باعتبار ، كذلك تشخّص الصورة بالمادّة باعتبار آخر ، وتشخّص الشخص الذي هو عبارة عن المجموع المركّب منهما بتشخّص المجموع ، إلى غير ذلك من الأمور التي يستبين من كلام القوم ، وكذا من كلام الشيخ هنالك. وهي دالّة على أنّ الشخص الإنساني عبارة عن مجموع النفس والبدن الذي ذلك المجموع معروض لتشخّص خاصّ ، لا أحدهما فقط. وحيث كان كذلك كان لبقاء هذيّة البدن أيضا مدخل في بقاء هذيّة الشخص الإنسانيّ ، وما هو إلّا لبقاء هذيّة الأجزاء الأصليّة من بدنه ، حيث إنّ هذيّة الأجزاء الفضليّة والتأليف والهيئة التركيبيّة منه
__________________
(١) في الباب الأوّل.