فإن قلت : ألست قلت فيما تقدّم في فصل امتناع إعادة المعدوم في مسألة أنّ الزمان من المشخّصات : إنّا لو فرضنا أن صنعنا من طين مخصوص كوزا مخصوصا على مقدار وهيئة وشكل خاصّ ، ثمّ كسرناه وصنعنا من تلك المادة كوزا آخر على تلك الأوصاف ، نعلم بالضرورة أنّ الكائن في الزمان الثاني غير الأوّل ، ولازم ذلك أن يكون البدن المعاد الثاني كما فرضته غير البدن المبتدأ ، ولازم ذلك أن يكون البدن الذي فرضته جزء للشخص الإنسانيّ منتفيا حين الإعادة ، ولازم ذلك أن يكون ذلك الشخص منتفيا أيضا لانعدام الكلّ بانعدام الجزء.
قلت : إنّ ما ذكرنا ثمّة مبنيّ على تغاير الكوزين بحسب التأليف والهيئة والصورة الخاصّة ، وهو مسلّم ، وما ذكرنا هنا مبنيّ على أنّ ما هو جزء للشخص الإنسانيّ هو البدن ، مع فرد ما من التأليف والهيئة لا التأليف الخاصّ والهيئة الخاصّة ، ولا شكّ أنّه بهذا الاعتبار لا ينعدم أصلا ، إذ هو لا ينفكّ في الزمانين عن فرد ما من ذلك. وانعدام تشخّصه بحسب فرد خاص من ذلك لا يقدح فيما ذكرنا ، إذ هو غير معتبر فيما هو جزء من الشخص.
شبهة الآكل والمأكول مع جوابها :
وحيث عرفت ما فصّلنا ، ظهر لك أنّه بما ذكرنا يحصل الجواب عن شبهة مشهورة للمنكرين للمعاد الجسمانيّ.
تقرير الشّبهة : أنّ المعاد الجسمانيّ غير ممكن ، لأنّه لو أكل مثلا إنسان إنسانا حتّى صارت أجزاء بدن المأكول جزء من بدن الآكل فهذا الجزء إمّا أن لا يعاد أصلا وهو المطلوب ، أو يعاد في كلّ واحد منهما وهو محال ، لاستحالة أن يكون جزء واحد بعينه في آن واحد في شخصين متباينين ، أو يعاد في أحدهما وحده فلا يكون الآخر معادا بعينه ، وهذا مع إفضائه إلى الترجيح بلا مرجّح يثبت مقصودنا ، وهو أنّه لا يمكن إعادة جميع الأبدان بأعيانها كما زعمتم.
وتقرير الجواب : أنّ المعاد هو الأجزاء الأصليّة ، وهي الباقية من أوّل العمر إلى آخره