سلف بيان بقاء نفوس هؤلاء الناقصين أيضا بعد خراب أبدانهم ، وعرفت بيان تجرّدها أيضا ، فتذكّر.
بيان الأمر الثالث من تلك الأمور الثلاثة
وأمّا بيان الأمر الثالث من تلك الأمور الثلاثة ، أي وجوب كون المعاد الجسمانيّ على النّحو الذي ذكرنا ، أي بأن يعود تعلّق النّفس إلى ذلك البدن الأوّل بعينه كما ذكرنا ، حتّى تكون في ضمنه موردة للثّواب والعقاب الحسّيّين ، مضافا إلى ما يكون لها في ذاتها من الثّواب والعقاب العقليّين ، لا إلى بدن آخر غيره بالذّات ، فهو أيضا يستدعي تمهيد مقدّمات :
منها ـ ما قدّمناه في المقدّمة والفصول والأبواب المتقدّمة وذكرناها تمهيدا لبيان الأمر الأوّل والثاني.
ومنها ـ ما أشرنا إليه في المقدّمة وحقّقناه في الباب الثّاني أنّ النّفس الإنسانيّة ذات واحدة بالعدد لها قوى متعددة ومراتب مختلفة ، باعتبارها تسمّى تارة نفسا إنسانيّة وتارة حيوانيّة وتارة نباتيّة من غير تعدّد واختلاف في ذاتها بل في حالاتها ومراتبها خاصّة.
ومنها ـ ما أسلفنا لك في الباب الثاني أيضا أنّ الأفاعيل الجزئيّة المتعدّدة المختلفة الصّادرة عن النفس الإنسانيّة التي هي ذات واحدة بالعدد إنّما تصدر عنها بتوسّط قواها البدنيّة المختلفة المتعدّدة ، كالأفاعيل الكلّيّة ، فإنّها أيضا تصدر عنها بتوسّط قواها العقليّة ومعنى ذلك أنّ الأفاعيل الجزئيّة تصدر أوّلا وبالذّات عن تلك القوى وبتوسّطها تصدر عن النّفس.
والحاصل أنّ للقوى والمشاعر والحواس أيضا حظّا ونصيبا في أفعالها وإدراك مدركاتها كما للنفس ، إلّا أنّ الأوّل أوّلا وبالذات ، والثاني ثانيا وبالتوسّط.
وبالجملة ، ليس صدور الأفاعيل الجزئيّة المتعدّدة عن تلك الذات الواحدة بدون مدخليّة شيء من القوى والحواسّ فيه ، وكذا ليس ذلك لصدورها عنها بالذات لكن