أيضا أنّ ذلك الأمر ليس أمرا لازما لذات النفس التي هي معنى نوعيّ ، إذ لو كان كذلك لاشتركت النّفوس فيه ، ولكان كلّها شخصا واحدا ، ولم تكن متكثّرة. فبقي أن يكون ذلك الأمر هيئة من الهيئات وقوّة من القوى وعرضا من الأعراض الروحانيّة غير الجسمانيّة أو جملة منها يكون تشخّصها باجتماعها وإن جهلناها ، وبعد أن تشخّصت النفس مفردة ، فلا يجوز أن تكون هي والنفس الأخرى بالعدد ذاتا واحدة ، فقد أكثرنا القول في امتناع هذا في عدّة ، لأنّه حينئذ ، إمّا أن يبقى تشخّص كلّ من النّفسين بحاله فيلزم أن يكون الاثنان مع اثنينيّتهما واحدا بالعدد ، وهذا محال بالضرورة ، وإمّا أن لا يبقى تشخّص لهما ، فحينئذ إمّا أن يبطل النفسان وتحدث أخرى واحدة بالعدد ، ففيه بطلان النّفس مع كونها مجرّدة ، وهو محال كما مرّ. وأيضا ففيه حدوث نفس من كتم العدم لا صيرورة النفسين واحدة بالعدد ؛ هذا خلف. وإمّا أن يمتزج النّفسان وتتركّبا وتصيرا واحدة بالعدد ، فهذا فرع وجود المادّة على ما عرفت ، وهو منتف هنا.
وبالجملة فبعد ما تشخّصت النفس مفردة يستحيل كونها والنّفس الأخرى المتشخّصة واحدة بالعدد ، بل يجب أن تكونا اثنتين. وأن يكون كلّ واحدة منهما متشخّصة بتشخّص منفرد ، باقيتين على ذينك التشخّصين الاثنين. لكنّا نتيقّن أنّه يجوز [أن تكون] النفس إذا حدثت مع حدوث مزاج ما كما عرفت الدّليل عليه ، أن يحدث هيئة بعد حدوث المزاج ، ويكون حدوث تلك الهيئة في الأفعال النطقية والانفعالات النّطقية ، التي تكون للنفس بذاتها ، وتكون تلك الهيئة على جملة من تلك الأفعال والانفعالات متميّزة عن الهيئة الأخرى المناظرة لها الحاصلة في نفس أخرى ، مثل تميّز المزاجين في البدنين اللذين يتعلّق بهما النّفسان ، وأن يكون الهيئة المكتسبة التي تسمّى عقلا بالفعل أيضا. وبالجملة الهيئة الحاصلة للنّفس من جهة تأثرها عمّا فوقها من المبادي كالعقل بالفعل أيضا على حدّ ما يتميّز به نفس عن نفس أخرى ، فإنّها حين كونها في مرتبة العقل بالفعل يقع لها شعور بذاتها الجزئيّة الشخصيّة وذلك الشعور هيئة ما فيها أيضا خاصّة ليس لغيرها وبه تتميّز عن أخرى ونتيقّن أيضا أنّه يجوز أن يحدث فيها من جهة القوى البدنيّة ، أي من جهة تأثيرها فيما دونها من البدن وقواه ، هيئة خاصّة أيضا وتلك الهيئة تتعلّق