فحينئذ يجوز تعلّقها بمادّة بدنيّة عنصريّة ، وببدن مثاليّ واحد أو اكثر في زمان واحد ، كما دلّ عليه الشرع ، ولا امتناع فيه عقلا أيضا.
فإن قلت : على ما ذكرت ، وإن لم يلزم بطلان تشخّص النفس ولا فوات شيء من قواها ومراتبها البدنيّة ، إلّا أنّه يلزم منه انعدام ذلك الشخص الإنسانيّ الذي ذكرت أنّه عبارة عن مجموع النفس الخاصّة والبدن المخصوص ، فإنّه لا سترة أنّه بانعدام التأليف البدنيّ والهيئة البدنيّة وزوال صورة البدن رأسا ينعدم البدن ولا يبقى البدن بدنا من حيث هو بدن كما اعترفت سابقا ، وإن كان يبقى أجزاؤه الأصليّة أو مادّته. وقد اعترفت أيضا أنّ ما هو جزء للشخص الإنسانيّ هو البدن الخاصّ من حيث صورته ومادّته جميعا ، فحيث كان ذلك منعدما كان الشخص الإنساني الذي هو جزؤه منعدما أيضا لانعدام الكلّ بانعدام الجزء ، ولا يجدي في بقائه بقاء الجزء الآخر أعني النفس ، فإذا كان الشخص الإنسانيّ منعدما ، فكيف يكون نفسه وحدها موردة للثواب والعقاب الحسّيّين في عالم البرزخ؟ مع أنّ الحكمة ـ كما اعترفت به أيضا ـ تقتضي أن يكون مورد الثواب والعقاب هو ذلك الشخص الإنسانيّ بعينه بكلا جزئيه لا أحد جزئيه وحده ، وهل هذا إلّا القول بكون مورد الثواب والعقاب هو النفس وحدها وكون البدن آلة لها ، كما قال به بعضهم ، وهل هذا إلّا نقض بنيان ما أصّلته لإثبات المعاد الجسمانيّ؟
قلت : سلّمنا أنّ ذلك الشخص الإنسانيّ العنصريّ اللحميّ العظميّ الرباطيّ ينعدم حينئذ بانعدام بدنه بهيئته ، لكنّا لا نسلّم انعدام الشخص الإنسانيّ رأسا حينئذ ، لأنّك قد عرفت ممّا قدّمناه لك ، أن البدن المثاليّ ظلّ وشبح للبدن العنصريّ وموجود بالعرض لوجود العنصريّ ، بل لوجود أجزائه الأصليّة ، أي أنّه بوجود البدن العنصريّ وأجزائه الأصليّة بالذات ، والمثاليّ يوجد بالعرض ، كوجود لوازم الماهيّات تبعا للماهيّات. وأنّ تعلق النفس بالبدن العنصريّ وبالمثاليّ تعلّق واحد ، إلّا أنّ تعلّقها بالعنصريّ بالذات وبالمثاليّ بالعرض. وأنّه كما يجوز أن يبقى تعلّق النفس بالأجزاء الأصليّة من البدن العنصريّ تعلّقا بالذات ، يجوز أن يبقى تعلّقها بالبدن المثاليّ الذي لا يفسد ، وهو ظلّها وشبحها وموجود بتبعيّتها تعلّقا بالعرض.