فحينئذ نقول : إنّ الشخص الإنسانيّ وإن كان في الظاهر عبارة عن النفس الخاصّة والبدن الخاصّ العنصريّ اللحميّ العظميّ الرباطيّ ، لكنّه في الباطن وعند النّظر الدّقيق عبارة عن النفس الخاصّة المتعلّقة ببدن عنصريّ يتبعه بدن مثاليّ هو ظلّ وشبح له وموجود بوجوده ، فحينئذ إن اعتبرت النفس الإنسانيّة مع البدن الخاصّ العنصريّ وحده ، يلاحظ هناك شخص إنسانيّ لحميّ عظميّ. وإن اعتبرتها مع البدن المثاليّ وحده يلاحظ هنا شخص آخر مثاليّ إلّا أنّ الشخصين لا تغاير بينهما بالحقيقة ، ولا انفصال بينهما بالذات ، إذ النّفس المتعلّقة بالبدنين واحدة بالشخص ، وكذا تعلّقها بهما تعلّق واحد ، والبدن المثاليّ ظلّ وشبح للعنصريّ ، وتعلّق النفس به غير منفرد عن التعلّق بالبدن العنصريّ أو بأجزائه الأصليّة ، بل في ضمنه وبتبعيّته ، فأين الاختلاف بالحقيقة؟
بل إنّما هو بمجرّد الاعتبار ، فإنّ أحد البدنين ظلّ وشبح ، والآخر ذو ظلّ وذو شبح.
فعلى هذا فالشّخصان واحد بالحقيقة ، والشخص الإنسانيّ في الظاهر إنسان لحميّ عظميّ رباطيّ يتطرّق إليه باعتبار بدنه فناء وزوال ، وفي الباطن إنسان مثاليّ ، لا يتطرّق إليه ذلك. وكأنّ هذا معنى قول بعض أساطين الحكمة : «إنّ في باطن كلّ إنسان وفي أهابه حيوانا إنسانيّا بجميع أعضائه وحواسّه وقواه ، وهو موجود الآن ، ولا يموت بموت البدن العنصريّ اللحميّ». (١)
وبالجملة ، فكلّ من الشخصين عين الآخر باعتبار ، وإن كان غيره باعتبار آخر ، وكما أنّه في حال بقاء الهيئة التركيبيّة البدنيّة ، وتعلّق النفس بالبدن العنصريّ بهيئته بالذات وبالمثاليّ بالعرض ، يجوز أن يغلب تعلّقها بالبدن المثاليّ وينفرد الشخص الإنسانيّ المثاليّ بأفعال وخواصّ وإدراكات كما في المنام بالنسبة إلى الكلّ وفي التيقّظ أيضا بالنسبة إلى بعض النفوس الفاضلة الكاملة ، حيث عرفت فيما حقّقناه لك في مبحث تحقيق عالم المثال ، أنّ ما يراه الشخص الإنسانيّ من الرؤيا في المنام إنّما هو من جنس عالم المثال ، وليس من مخترعات الخيال والمتخيّلة ، وإنّ مدرك ذلك إنّما هو النّفس
__________________
(١) القائل هو صدر المتألّهين في كتابه الشواهد الربوبيّة / ٢٨٨.