ما بقدر زمان الضغطة والمساءلة بعد قطع تعلّقها عنه ، سواء كان ذلك البدن العنصريّ قد بقي بهيئته ولم يزل بعد هيئة التركيبيّة ، أو زالت وتفرّقت أجزاؤه ثمّ أعيدت بإذن الله تعالى بتلك الهيئة في ذلك.
وبالجملة ، يجوز أن يكون قد اقتضت الحكمة المتعالية المقدّسة ، جزاء الشخص الإنسانيّ المثاليّ في عالم البرزخ بأنواع المثوبات أو العقوبات المثاليّة البرزخيّة كما ورد به الشرع ، ثمّ إنّه إذا حان بمشيّة الله تعالى وقت المعاد ويوم نفخ الصور ، أي (١) أن يجزيه الله تعالى في ضمن بدنه العنصريّ ، يثيبه أو يعاقبه بالثواب أو العقاب الحسيّين الماديّين الجسمانيّين الأخرويّين اللذين لا يكونان للشخص الإنسانيّ إلّا في ضمن البدن العنصريّ الجسمانيّ المادّيّ الأخرويّ ، يكون هناك المعاد على النهج الذي قرّرناه وأقمنا الدليل العقليّ عليه ، كما نطق به الشرع أيضا ، ويكون لذلك الشخص ثواب وعقاب حسّيّان ماديّان مضافا إلى الثواب والعقاب العقليّين ، سواء قلنا بأنّه مع عود البدن الأصليّ العنصريّ في النشأة الأخرويّة وعود تعلّق النّفس به بهيئته ، يكون معه البدن المثاليّ أيضا ، حيث إنّه ظلّ وشبح للبدن العنصريّ ، والظلّ لا ينفكّ عن ذي الظلّ ، ولا دليل أيضا على فنائه ، أو قلنا بأنّ البدن المثاليّ لا يكون هناك ، بل ينعدم لأسباب لا نعلمها.
والحاصل ، أنّه يجوز أن يكون قد اقتضت الحكمة الإلهيّة ما فصّلنا ، وأن يكون الشخص الإنسانيّ في الحالات كلّها وفي النشئات الثلاث بأجمعها ـ أي النشأة الدنيويّة والبرزخيّة والأخرويّة ـ واحدا بالحقيقة والذات نفسا وبدنا ، وإن كان يعرض له في تلك النشئات أمور وحالات لا دخل لها في تشخّصه ، ولا ينافي تبدّلها وتغيّرها لتميّزه وتخصّصه الذاتيّين ، وإن كان لها مدخل في تغايره الاعتباريّ ، وكأنّه يشير إلى هذه الجملة قوله تعالى :
(وَمِنْ وَرائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ* فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ* فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ
__________________
(١) الظاهر زيادة كلمة «أي».