خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ* تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيها كالِحُونَ) (١).
وإذا عرفت ذلك وتحقّقته حقّ التحقّق ، علمت أنّه لا إشكال هنا ، لا لزوم نقض بنيان ما أصّلناه لإثبات المعاد الجسمانيّ ، ولا لزوم محال آخر ، ولا أظنّك في مرية من ذلك إن كنت مستبصرا طالبا بطريق السّداد ومنهج الرشاد ، وهذا الذي ذكرناه في هذا المطلب بطوله ، إنّما هو بيان إثبات أصل المعاد الجسمانيّ لوقوع الثواب أو العقاب الحسّيّين ، وإقامة الدّليل العقليّ عليه كما نطق به الشّرع.
وأمّا بيان تفاصيل الثّواب والعقاب الحسّيّين الجسمانيّين أو المثاليّين في عالم الآخرة وفي عالم البرزخ ، وبيان وقوعهما على كيفيّات مخصوصة ، وكذا بيان تفاصيل الأمور الحسّيّة الواقعة في النشأتين ، فموكول إلى الشرع الشريف إذ ذاك مبيّن فيه مفصّلا.
وليكن هذا آخر كلامنا في هذا المطلب الأسنى الذي نحن بصدده في هذا الباب ، بل هو غرضنا الأصليّ من وضع هذا الكتاب ، وعلمت أنّه اعترفت جماهير العلماء بالعجز عن إقامة الدليل العقليّ عليه ، معلّلين بأنّه لا استقلال للعقل فيه. وكذلك هذا البيان الذي ذكرناه وبيّناه بهذا التفصيل ، ولا سيّما في بيان الأمر الثالث ، إنّما هو بقدر فهمنا القاصر ، والمظنون أنّه لم يسبقنا أحد فيه ، وإن وافقنا كثير من العلماء في كثير ممّا ذكرناه في بيان الأمور الأوّلة ، فإن أصبنا في ذلك فلنحمد الله عزوجل على توفيقنا له ، وإن أخطأنا فيه فلنسأل الله تعالى العفو عن خطيئاتنا ، إنّه وليّ ذلك.
دقيقة
وهاهنا دقيقة سبقت منا إشارة ما إليها وهي أنّ ما اعترف به جمهور العلماء بالعجز عنه ، وبعدم استقلال العقل فيه ، إن كان مرادهم به العجز عن إقامة الدّليل العقليّ على أصل المعاد الجسمانيّ وأصل وقوع الثّواب أو العقاب الحسّيّين كما نطق به الشرع ، فقد عرفت أنّه ليس كذلك ، وإن كان مرادهم به العجز عن إقامة الدليل العقليّ على وقوع الثواب
__________________
(١) المؤمنون (٢٣) : ١٠٠ ـ ١٠٤.