بالهيئة الخلقيّة ، أو تكون هي هي ، أي نفس الهيئة الخلقيّة ، وكذلك يجوز أن يكون أيضا هناك خصوصيّات أخرى سوى تلك الهيئات ، تخفى تلك الخصوصيات علينا وتلزم النفوس مع حدوثها ، ويكون تميّزها بها كما تلزم أمثال تلك الخصوصيات أشخاص الأنواع الجسمانيّة لتتمايز بها ما بقيت.
وحينئذ فيجوز أن يكون الأنفس التي هي أشخاص لنوع مجرّد كذلك تتميّز هي بمخصّصاتها ومميّزاتها التي فيها ، سواء كانت الأبدان أم لم تكن ، وسواء عرفنا حقيقة تلك الأحوال التي هي المخصّصات أو لم نعرف ، أو عرفنا بعضها.
والحاصل أنّه يجوز حين حدوث النّفس مع مزاج ما ، أن يحدث لها هيئة من جهة تأثّرها عمّا فوقها من المبادي العالية أو من جهة تأثيرها فيما دونها من البدن وقواه أو خصوصيّات أخرى تخفى علينا ، تكون تلك الهيئات والخصوصيّات مخصّصات ومميّزات لها تلزمها حين الحدوث وبعده ، فتبقى بها النّفس موجودة متكثّرة بعد خراب البدن أيضا كما هي في حال حدوثه ، ولو لم يكن لها من المميّزات إلّا شعور كلّ منها بهويّتها الجزئيّة لكفى مميّزا ، فضلا عن الصّفات والملكات والهيئات والأنوار الفائضة عليها من المبادي العالية. وحينئذ فلا تلزم أن تفسد النّفوس بعد خراب الأبدان ولا أن تتّحد ، مع أنّ الاتحاد ممتنع كما عرفت ، وكذا الفساد ، حيث عرفت أنّ الفساد ممتنع على المجرّد ، وقد عرفت أيضا أنّ الدليل يدلّ على تجرّد النفس مطلقا ، فكلّ هذه النفوس بعد وجودها وحدوثها بحدوث أبدانها تبقى بعد خراب أبدانها أيضا ببقاء مبدئها ومعيدها. والله تعالى أعلم بحقيقة الحال.
الإشارة إلى أنّ مذهب الشيخ في الشفاء بقاء النفوس مطلقا
حتّى نفوس غير المستكملة بعد خراب البدن
وهذا الذي ذكرناه هو تحرير كلامه وتوضيح مرامه ، ومنه يظهر أنّ مذهبه في «الشفاء» بقاء النفوس مطلقا بعد خراب البدن ، حتّى نفوس غير المستكملين من البله