فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (١).
فإذا تهيّأت هذه الصور كانت فتيلة استعدادها كالحشيش المحترق ، وهو الاستعداد لقبول الأرواح كاستعداد الحشيش بالنار التي كمنت فيه لقبول الاشتعال ، والصور البرزخيّة كالسراج مشتعلة بالأرواح التي فيها ، فينفخ إسرافيل نفخة واحدة فتمرّ على تلك الصور فتطفؤها ، وتمرّ النفخة التي تليها ـ وهي الأخرى ـ على الصور المستعدّة للاشتعال ـ وهي النشأة الأخرى ـ فتشتعل بأرواحها فإذا هم قيام ينظرون ، فتقوم تلك الصور أحياء ناطقة بما ينطقها الله ، فمن ناطق بالحمد لله ، ومن ناطق يقول : (مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا) ، ومن ناطق ب «الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» وكلّ ينطق بحسب عمله وحاله وما كان عليه ، وينسى حاله في البرزخ ، ويتخيّل أنّ ذلك منام كما يتخيّله المستيقظ ، وقد كان عند موته وانتقاله إلى البرزخ كالمستيقظ هناك ، وأنّ الحياة الدنيا كانت له كالمنام ، وفي الآخرة يعتقد في أمر الدنيا والبرزخ أنّه منام في منام (٢) ، انتهى كلامه.
ولا يخفى عليك أنّه يظهر من كلامه تفسير الصّور أوّلا بالقرن ، ومن قوله : والصور بسكون الواو قرئ بانفتاحها جمع الصورة ، تفسيره بمعنى جمع الصورة ، وأنّه جمع بين المعنيين ، وذكر لكون النفخ في الصور سببا للإماتة والإحياء وجها عقليّا مرموزا هو أعلم به.
الصراط
ومن تلك الأحوال والأمور : الصراط ، وهو ممّا أخبر به الشرع ، ووردت به أخبار
__________________
(١) الزمر (٣٩) : ٦٨.
(٢) الشواهد الربوبيّة / ٢٩٦ ـ ٢٩٧ وفيه : قرن من نور التقمه إسرافيل ... وقرئ بانفتاحها أيضا ... والصور البرزخيّة كالسّرج ... ما كان عليه ونسي حاله في البرزخ.