فإمّا أن تكون مستكملة به ، لزم حينئذ بعض مفاسد القول بالتناسخ وهو صيرورة ما بالفعل ما بالقوّة. وإمّا أن لا تكون مستكملة به لزم تعطّلها في الوجود ، والقول بأنّها وإن لم يكن لها استكمال في ضمن البدن المثاليّ ، إلّا أنّه يمكن أن يكون لها في ضمنه ابتهاج بالكمالات وتألّم بالجهالات ، كما في ما بعد خراب البدن العنصريّ ، باطل ، فإنّ ذلك الابتهاج والتألّم إنّما يمكن إذا كان حصل لها كمال في ضمنه ، وإذ ليس فليس ، وهذا بخلاف صورة ما بعد خراب البدن ؛ فتدبّر.
تأويل حديث خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام
فبالجملة ، القول بذلك مع كونه مخالفا للعقل ليس عليه دليل مطلقا لا عقليّ ولا نقليّ ظاهر فيه ، فإنّ حديث «خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام» يمكن حمله على أنّه خلقت الأرواح التي هي جواهر نورانيّة وهي مدبّرات للأبدان الإنسانيّة بل للإنسان بنفسه وبدنه ، ويدلّ على وجودها الشرع وقال بها الحكماء أيضا ، وتسمّى تلك الأرواح في لسان الشرع ب «الملائكة الموكّلين بالإنسان» ، وفي لسان الحكماء المتألّهين ب «ربّ النوع» ، قبل الأجساد وقبل الأبدان العنصريّة الإنسانيّة بألفي عام ، سواء حمل ألفا عام على الزّمان الكثير المتمادي ، أو على هذا العدد المعيّن ؛ وسواء حمل هذا العدد بالنسبة إلى كلّ روح مع كلّ بدن أو بالنسبة إلى مجموع تلك الأرواح مع مجموع الأبدان. وحينئذ فلا دليل قطعيّا أو ظاهرا في الحديث على مطلوب هذا القائل ، وهو خلق النفوس الإنسانيّة المتعلّقة بأبدانهم العنصريّة قبل أبدانهم بألفي عام ، حتّى يمكن أن يقال : إنّها قبل الأبدان العنصريّة كانت في ضمن أبدان مثاليّة.
وأمّا القول بحصولها بعد خراب أبدانها العنصريّة في ضمن الأبدان المثاليّة فإنّما دعى إليه ما ورد من النقل الصحيح الصريح ، فإنّه لو لم يكن هناك ذلك النقل لم نكن قائلين به ، وكأنّ سرّ ما ورد من النصّ في ذلك ـ والله أعلم ـ أنّ النفس الإنسانيّة لمّا كانت في أفعالها مفتقرة إلى البدن ، حاصلة في ضمنه ، متعلّقة به ، ومستكملة به ، وكانت أكثرها بل جلّها قد